للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يُسقطون التكليف عمن يعلم ذلك ويؤمن به فقط، وإنما لا بد من شهوده للحضرة الإلهية، على حدِّ زعمهم.

ولا شك أن هذا من استدراج الشيطان لهم؛ لأن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد قال: ((تَعَلَّمُوا؛ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى يَمُوتَ)) (١)، فلا سبيل إلى رؤية الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا، فهي أمر ممتنع، ولكن الشيطان يستدرج هؤلاء، ولذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما تكلم مع ابن صياد، فقال له النبي: «ما ترى؟». قال: أرى عرشًا على الماء! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تَرى عرشَ إبليس على البَحر)) (٢)، فهذا الذي يراه هؤلاء إنَّما هو شيطان من الشياطين يَتمثل لهم، ويستدرجهم بهذه الأمور والأحوال؛ ليخرجهم عن الدين، مِنْ طريق ترك العبادة؛ فأصبح هؤلاء لا دين لهم، والعياذ بالله.

وعليه فإن الصوفية هم في القدر ومشاهدة توحيد الربوبية خير من المعتزلة، ولكن فيهم من فيه نوع بدع مع إعراض عن بعض الأمر والنهي، والوعد والوعيد، حتى يجعلوا الغاية هي مشاهدة توحيد الربوبية والفناء في ذلك، فيصيرون أيضًا معتزلين لجماعة المسلمين وسنتهم، فهم معتزلة من هذا الوجه، وقد يكون ما وقعوا فيه من البدعة شرًّا من بدعة أولئك المعتزلة.

قول المصنف: "وكلتا الطائفتين نشأت من البصرة"

أما المعتزلة فأول ما تأسَّست على يد واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيدـ وكانت البصرة مركزاً للمعتزلة، وكانت كما يقولون: البصرة عشَّ القدرية، والكوفة عشَّ التشيُّع، فكانت مقالة القدرية أظهر في البصرة.

وكان من أشهر مقالات واصل بن عطاء مسألة المنزلة بين المنزلتين، ومقالة


(١) أخرجه مسلم (٢٩٣٠) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٢٥) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>