ومن إثبات حكمة تعود إلى العباد، جعلوا هذه الحكمة لا تتم إلا بأن يكون العباد هم الخالقين لأفعالهم وهذا قول المعتزلة.
أما أهل السنة فلم يلزمهم لازم من هذه اللوازم الباطلة، ولذلك جاء مذهبهم وسطا في باب القدر.
الأمر الرابع: توضيح مراد المصنف.
كلام المصنف هنا هو من باب أنه إذا كان من المعلوم أن الدليل يجب طرده، وهو ملزوم للمدلول عليه، فيلزم من ثبوت الدليل ثبوت المدلول عليه، ولا يجب عكسه، فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول عليه.
وهذا كالمخلوقات، فإنها آية للخالق، فيلزم من ثبوتها ثبوت الخالق، ولا يلزم من وجود الخالق وجودها.
فإذا كان دليل المتأخرين من الأشاعرة ومن وافقهم على إثبات تلك الصفات السبع أو الثمان التي أقروا بها هو العقل، فأجاب المصنف بأنه يمكن إثبات الصفات الأخرى التي نفاها هؤلاء بنظير الدليل الذي استدل به هؤلاء على الصفات السبع أو الثمان التي أثبتوها، وذلك من باب طرد الدليل فقال المصنف:"يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبتَّ به تلك من العقليات" فكما أثبتم القدرة بالفعل، والتخصيص بالإرادة، والعلم بالإحكام، وبقية الصفات، كالحياة والسمع والبصر؛ لأنها من لوازم الحياة، فكذلك بقية الصفات.
وضرب أمثلة على ذلك
المثال الأول: إثبات "صفة الرحمة"
فإذا كان المخالف يستدل على "أن الفعل الحادث دل على القدرة" فإن طرد الدليل يوجب أن "يقال: نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة، كدلالة