الأمر الثالث: توضيح ما احتج به المصنف على المعتزلة في إنكارهم للصفات.
فيقال للمعتزلة: لا فرق بين إثبات الأسماء وإثبات الصفات،
فإن قالوا: إن إثبات الحياة والعلم ونحوها يقتضي تشبيه الله بالمخلوقين، ويقتضي التجسيم؛ وهذا هو الذي نراه في الواقع المشاهد، أن الذي يوصف بهذه الصفات هو الجسم فقط،
فيقال للمعتزلة: ولن تجد في الواقع المشاهد ما يسمى بالحي والعليم إلا الجسم أيضًا، وأنت تثبت الأسماء لله وتنفي الصفات فيلزمك أن تنفي الأسماء أيضًا خوفًا من التجسيم الذي تزعمه، فكل ما تقول به لكي تنفي الصفات يلزمك أن تقول به في نفي الأسماء.
فقول المصنف:"فكل ما يحتج به من نفى الصفات، يحتج به نافي الأسماء الحسنى، فما كان جوابًا لذلك كان جوابًا لمثبتي الصفات".
هذا الكلام فسره المصنف في موضع آخر فقال:"وهؤلاء نفاة الأسماء من هؤلاء الغالية من الجهمية والباطنية والفلاسفة، وإنما استطالوا على المعتزلة بنفي الصفات، وأخذوا لفظ "التشبيه" بالاشتراك والإجمال، كما أن المعتزلة فعلت كذلك بأهل السنة والجماعة مثبتة الصفات، فلما جعلوا إثبات الصفات من التشبيه الباطل، ألزمهم ذلك بطرد قولهم، فألزموهم بنفي الأسماء الحسنى.
والأمر بالعكس، فإن إثبات الأسماء حق، وهو يستلزم إثبات الصفات، فإن حي بلا حياة، وعالم بلا علم، وقادر بلا قدرة، كإثبات متحرك بلا حركة، ومتكلم بلا كلام،