للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجة للقرامطة الباطنية المتفلسفة (١)، فهؤلاء يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل.

وقوله: "ورفعهما كجمعهما" أي أن كلا الأمرين ممتنع في بداهة العقول؛ إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات

وقوله: "ومنهم من يقول: لا أثبت واحدًا منهما، وامتناعه عن إثبات أحدهما في نفس الأمر لا يمنع تحقق واحد منهما في نفس الأمر، وإنما هو كجهل الجاهل، وسكوت الساكت، الذي لا يعبر عن الحقائق".

يشير هنا إلى المتجاهلة اللا أدرية: الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه (٢).

فالمصنف هنا يقول إن امتناع هؤلاء هو بمثابة جهل الجاهل وسكوت وسكوت الساكت "لا يعبر عن الحقائق"، فهذا الجهل والسكوت "لا يمنع تحقق واحد منهما في نفس الأمر" ومثاله لو اختلف أناس في تحديد اتجاه القبلة فقال بعضهم هي جهة الشمال وقال البعض هي جهة الجنوب وسكت البعض الآخر، فإن سكوت البعض لا يعبر عن حقيقة أن تكون جهة الشمال أو جهة الجنوب.

وهكذا الحال في شأن صفات الله فإن امتناع هؤلاء لا يؤثر في اعتبار أن الله


(١) -شرح العقيدة الأصفهانية ص ٧٦.
(٢) -الصفدية ١/ ٩٦، ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>