للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (العليم) و (القدير) وسائر الأسماء.

فإن شرط صحة إطلاقها حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها، فما لزم هذه الأسماء لذاتها؛ فإثباتها للرب تعالى لا محذور فيه بوجهٍ، بل يثبت له على وجهٍ لايماثله فيه خَلْقُه ولا يُشابههم.

فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق أَلْحَدَ في أسمائه وجَحَد صفات كماله، ومَن أثبته على وجهٍ لا يُماثل فيه خلقه به-كما يليق بجلاله وعظمته-فقد بَرِئ من فرث التَّشبيه ودم التعطيل، وهذا طريقُ أهل السنة.

وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيُه عن الله كما يلزم حياة العبد من النَّوم والسِّنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك، وكذلك ما يَلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به، وكذلك ما يلزم عُلوَّه من احتياجه إلى ما هو عال عليه وكونه محمولاً به، مفتقرًا إليه، محاطًا به، كل هذا يجب نفيه عن القُدُّوس السَّلَام تبارك وتعالى.

وما لزم الصفة من جهة اختصاصه تعالى بها فإنَّه لا يثبت للمخلوق بوجهٍ؛ كعلمه الذي يلزمه القِدَم والوجوب والإحاطة بكلِّ معلوم، وقدرته وإرادته وسائر صفاته، فإنَّ ما يختص به منها لا يُمكن إثباته للمخلوق.

فإذا أحطت بهذه القاعدة خُبرًا وعَقَلْتَها كما ينبغي-خَلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين:

١ - آفة التعطيل. ٢ - وآفة التشبيه.

فإنك إذا وَفَّيت هذا المقام حقَّه من التصور أَثْبَتَّ لله الأسماء الحسنى والصفات العُلى حقيقة؛ فخلصت من التعطيل، ونَفيت عنها خصائص المخلوقين ومُشابهتهم، فخلصت مِنْ التشبيه؛ فتدبر هذا الموضع واجعله جُنَّتك التي تَرجع إليها في هذا الباب، والله الموفق للصَّواب» (١).


(١) «بدائع الفوائد» (١/ ١٦٤ - ١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>