للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله -عز وجل- يسمى بالمتكبر، ويوصف بالكبرياء، قال تعالى: {الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (١)، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ((العِزُّ إِزَارُهُ، وَالكِّبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ)) (٢).

قال الإمام النووي (٣) -رحمه الله-: ((ومعنى ينازعني: يتخلق بذلك، فيصير في معنى المشارك)) (٤).

فهذا الوصف إذا صدر عن المخلوق كان نقصاً في حقه، وذلك لضعف الإنسان وافتقاره إلى ربه وحاجته إليه في كل أحواله، فلا يناسب وصفه هذا أن يكون متكبراً متعاظماً؛ لأنه خلاف الواقع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (( … فاحترازٌ عما هو لبعض المخلوقات كمال دون بعض، وهو نقص بالإضافة إلى الخالق لاستلزامه نقصاً، كالأكل والشرب مثلاً، فإن الصحيح الذي يشتهي الأكل والشرب من الحيوان، أكمل من المريض الذي لا يشتهي الأكل والشرب؛ لأن قوامه بالأكل والشرب، فإذا قُدِّرَ غير قابلٍ له، كان ناقصاً عن القابل لهذا الكمال، لكن هذا يستلزم حاجة الآكل والشارب إلى غيره، وهو ما يدخل فيه من الطعام والشراب، وهو مستلزم لخروج شيء منه كالفضلات، وما لا يحتاج إلى دخول شيء فيه، أكمل ممن يحتاج إلى دخول شيء فيه، وما يتوقف كماله على غيره أنقص مما لا يحتاج

في كماله إلى غيره؛ فإن الغني عن شيء أعلى


(١) الآية [٢٣] من سورة الحشر.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١٦/ ٣٨٩ مع النووي)، كتاب البر والصلة، باب تحريم الكبر، برقم (٦٦٢٣).
(٣) يحي بن شرف بن مري الحزامي، أبو زكريا النووي الشافعي، الفقيه المحدث، صاحب التصانيف الجليلة، التي ما كانت لتتفق لغيره فإنه عاش -رحمه الله- خمسة وأربعين سنة فقط، ومع ذلك ألف الدواوين العظيمة، توفي في نوا بسوريا سنة ٦٧٦ هـ.
انظر ترجمته في: الضوء اللامع (١٠/ ٢٢٦)، الأعلام (٨/ ١٤٩).
(٤) شرح النووي على صحيح مسلم (١٦/ ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>