للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتشبيه، فتأمله فإنه في غاية الظهور والقوة)) (١).

ومن أمثلة ورود هذا القياس على طريقة التنزيه في القرآن الكريم، قوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم الآية: ٢٨]، وفي قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل الآيات: ٥٧ - ٦٠].

فإن الله تعالى احتج على المشركين وأهل الكتاب، فيما يثبتون له من الشريك والبنات، بأنهم يُنزهون أنفسهم عن ذلك؛ لأنهم يعتبرون ذلك نقصاً وعيباً في حقهم؛ فإذا كانوا لا يرضون بهذا الوصف والمثل السوء لأنفسهم؛ فكيف يصفون به ربهم، ويجعلون له مثل السوء، والرب الخالق أولى بأن ينزه عن الأمور الناقصة منهم؟!.

والله -عز وجل- يستعمل في ذلك استفهام الإنكار، إقامةً للحجة عليهم، وبياناً لبطلان ما أنكره عليهم وامتناعه، وأن ذلك مما استقر في الفطر والعقول السليمة (٢).

سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وصدق الله القائل: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان: الآية ٣٣].

((ومثل هذا في القرآن متعدد، من وصف الأصنام بسلب صفات الكمال، كعدم التكلم والفعل، وعدم الحياة، ونحو ذلك، مما يبين أن المتصف بذلك منتقص


(١) الصواعق المرسلة (٣/ ١٠٣٠ - ١٠٣٢).
(٢) انظر: بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٥٣٥ - ٥٣٦)، درء تعارض العقل والنقل (١/ ٣٦ - ٣٧)، (٧/ ٣٦٢ - ٣٦٥)، الصواعق المرسلة (٣/ ٩١٦ - ٩١٧، ١٠٣٥ - ١٣٦)، مفتاح دار السعادة (٢/ ٤٨٠ - ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>