قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في بيان المثل الأعلى: (( … فجعل مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص، وسلب الكمال للمشركين وأربابهم، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمالات كلها له وحده؛ ولهذا كان المثل الأعلى، وهو أفعل تفضيل، أي: أعلى من غيره؛ فكيف يكون أعلى وهو عدم محض، ونفي صرف، وأي مثل أدنى من هذا، تعالى الله عن قول المعطلين علواً كبيراً.
فمثل السوء لعادم صفات الكمال؛ ولهذا جعله مثل الجاحدين لتوحيده وكلامه وحكمته؛ لأنهم فقدوا الصفات التي من اتصف بها كان كاملاً، وهي الإيمان، والعلم، والمعرفة، واليقين، والعبادة لله، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والصبر، والرضا، والشكر، وغير ذلك من الصفات، التي اتصف بها من آمن بالآخرة، فلما سلبت تلك الصفات عنهم وهي صفات كمال، صار لهم مثل السوء، فمن سلب صفات الكمال عن الله، وعلوه على خلقه، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ومشيئته، وحياته، وسائر ما وصف به نفسه، فقد جعل له مثل السوء، ونزهه عن المثل الأعلى، فإن مثل السوء هو: العدم وما يستلزمه، وضده المثل الأعلى، وهو الكمال المطلق، المتضمن للأمور الوجودية، والمعاني الثبوتية، التي كلما كانت أكثر في الموصوف وأكمل، كان أعلى من غيره، ولما كان الرب تعالى هو الأعلى، ووجهه الأعلى، وكلامه الأعلى، وسمعه الأعلى، وبصره، وسائر صفاته عليا، كان له المثل الأعلى، وكان أحق به من كل ما سواه، بل يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان؛ لأنهما إن تكافآ، لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ، فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير، وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال، على استحالة التمثيل