للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك ما ورد عن إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، حيث استعمل هذا القياس أثناء رده على نفاة الصفات من الجهمية، فقال: (( … ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموماً، يقول الله جلَّ ثناءه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء الآية: ١٤٥]، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت الآية: ٢٩].)) (١).

قال شيخ الإسلام -رحمه الله- تعليقاً على هذا الاستعمال من الإمام أحمد: ((وهذه الحجة من باب قياس الأولى، وهو أن السفل مذموم في المخلوق، حيث جعل الله أعداءه في أسفل السافلين، وذلك مستقر في فطر العباد، حتى إن أتباع المضلين طلبوا أن يُجعلوا تحت أقدامهم؛ ليكونوا من الأسفلين، وإذا كان هذا مما ينزه عنه المخلوق، ويوصف به المذموم المعيب من المخلوق، فالرب تعالى أحق أن ينزه ويقدس عن أن يكون في السفل، أو أن يكون موصوفاً بالسفل، هو أو شيء منه، أو يدخل ذلك في صفاته بوجه من الوجوه، بل هو العلي الأعلى بكل وجه)) (٢).

واستعمله الإمام أحمد في موطن آخر أيضاً، فقال: (( … وخصلة أخرى: لو أن رجلاً بنى دارًا بجميع مرافقها، ثم أغلق بابها، وخرج منها، كان لا يخفى عليه كم بيت في داره، وكم سعة كل بيت، من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار، فالله سبحانه له المثل الأعلى، قد أحاط بجميع ما خلق، وقد علم كيف هو وما هو، من غير أن يكون في جوف شيء مما خلق)) (٣).

فقال شيخ الإسلام-رحمه الله-تعليقاً أيضاً على كلام الإمام أحمد: ((وهذا أيضاً قياس


(١) الرد على الجهمية والزنادقة ص (٤٩).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٥٤٣).
(٣) الرد على الجهمية والزنادقة ص (٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>