للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقلي، من قياس الأولى، قرر به إمكان العلم بدون المخالطة، فذكر أن العبد إذا فعل مصنوعاً كدار بناها، فإنه يعلم مقدارها، وعدد بيوتها، مع كونه ليس هو فيها؛ لكونه هو بناها، فالله الذي خلق كل شيء، أليس هو أحق بأن يعلم مخلوقاته، ومقاديرها، وصفاتها، وإن لم يكن فيها، محايثاً لها، وهذا من أبين الأدلة العقلية)) (١).

وعلَّل شيخ الإسلام سبب استعمال الإمام أحمد -رحمه الله- لهذه الأقيسة العقلية، في باب العقائد، دون غيره من الأئمة الذين سبقوه بقوله: ((وأحمد أشهر وأكثر كلاماً في أصول الدين بالأدلة القطعية، نقليها وعقليها، من سائر الأئمة، لأنه ابتلي بمخالفي السنة فاحتاج إلى ذلك، والموجود في كلامه من الاحتجاج بالأدلة العقلية على ما يوافق السنة، لم يوجد مثله في كلام سائر الأئمة، ولكن قياس التمثيل في حق الله تعالى لم يسلكه أحمد، لم يسلك فيه إلا قياس الأولى، وهو الذي جاء به الكتاب والسنة، فإن الله لا يماثل غيره

في شيء من الأشياء، حتى يتساويا في حكم القياس، بل هو سبحانه أحق بكل حمد، وأبعد عن كل ذم، فما كان من صفات الكمال المحضة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فهو أحق به من كل ما سواه، وما كان من صفات النقص، فهو أحق بتنزيهه عنه من كل ما سواه)) (٢).

واستعمله كذلك الإمام أبو سعيد الدارمي -رحمه الله- في إثبات صفة الكمال، بطريق قياس الأولى، فقال: ((فالله المتكلم أولاً وآخراً، لم يزل له الكلام إذ لا متكلم غيره، ولا يزال له إذا لا يبقى متكلم غيره فيقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر الآية ١٦]، أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ فلا يُنْكِر كلام الله -عز وجل- إلا من يريد إبطال ما أنزل الله -عز وجل-. وكيف يَعجَزُ عن الكلام، من علَّم العباد الكلام وأنطق الأنام؟!)) (٣).


(١) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٥٤٧)، وانظر: درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٥٤ - ١٥٥).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٥٤).
(٣) الرد على الجهمية ص (١٥٥)، رقم (٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>