للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضاً: ((وقال لقوم موسى حين اتخذوا العجل: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [طه الآية ٨٩]، وقال: {عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} [الأعراف الآية: ١٤٨].

قال أبو سعيد: ففي كل ما ذكرنا تحقيق كلام الله وتثبيته نصاً بلا تأويل، ففيما عاب الله به العجل في عجزه عن القول والكلام، بيانٌ بيِّنٌ أن الله -عز وجل- غير عاجزٍ عنه، وأنه متكلمٌ وقائلٌ؛ لأنه لم يكن يَعيب العجل بشيء هو موجود به.

وقال إبراهيم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} … الآية إلى قوله {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء الآية: ٦٣ - ٦٧]، فلم يُعِبْ إبراهيم أصنامهم وآلهتهم التي يعبدون بالعجز عن الكلام، إلا وأن إلهه متكلمٌ قائلٌ)) (١).

فالإمام الدارمي-رحمه الله-أورد هذه الحجة العقلية، ومضمونها أن من علَّم العباد الكلام وأنطق الأنام، كيف يعجز هو عن الكلام، الذي هو صفة كمال في المخلوق استفاده من خالقه، فهو الذي علمه الكلام وأقدره عليه، وعدم الكلام نقصٌ في حق المخلوق، فإذا كان كذلك فواهب هذا الكمال أولى بالاتصاف به على الوجه اللائق به، وأولى بتنزيهه عن النقص المتمثل في عدم الكلام، الذي ينزه عنه المخلوق (٢).

ومن ذلك أيضاً استعماله من طرف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في جواز رؤية الله -عز وجل-، وفي مسألة علو الله تعالى على خلقه، ومبيانته لهم، فقال:

((فإنا قد قدمنا فيما تقدم، أن الأمثال المضروبة إذا كانت من باب الأولى جاز استعمالها في حق الله تعالى، كما ورد به القرآن والسنة، واستعملها السلف والأئمة، كما يقال: إذا كان العبد ينزه نفسه عن شريك أو أنثى، فتنزيه ربه أولى، وإذا كان العبد


(١) الرد على الجهمية ص (١٥٦ - ١٥٧)، رقم (٢٨٠ - ٢٨٢).
(٢) انظر تمثيل مشابه للإمام ابن القيم في: الصواعق المرسلة (٣/ ٩١٤ - ٩١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>