للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالماً قادراً فالله أولى.

وكذلك] مسألة الرؤية [؛ فإن حاصلها أنه إذا جاز رؤية الموجود المحدث الممكن، فرؤية الموجود الواجب القديم أولى. وإذا كان المخلوق الناقص في وجوده يجوز أن يُرى ويُحس به، فالرب الكامل في وجوده أحق بأن يُرى؛ فإن كون الشيء بحيث يُرى كمال في حقه لا نقص؛ لأن كونه لا يُرى، ولا يُحس به، لا يثبت في الشاهد إلا للمعدوم، فكل صفة لم نعلمها تثبت إلا لمعدوم، فإنها لا تكون صفة نقص إلا بالنسبة إلى وجود آخر هو أكمل منها، وكل صفة لا تثبت للمعدوم ولا يختص بها الناقص، فإنها لا تكون إلا صفة كمال، وهذه طريقة في المسألة يتبين بها أن جواز الرؤية من صفات الكمال التي هو الباري أحق بها من المخلوقات.

ونظيرها في مسألة العلو: أن علو الشيء بنفسه على غيره صفة كمال، كما أن قدرته عليه صفة كمال. وإذا كان كذلك فالله أحق بهذه الصفة من جميع ما يوصف بها غيره، فيجب أن يكون عالياً بنفسه، وكذلك تميزه بذاته عن غيره هي صفة لا يوصف بها المعدوم، ولا تختص بالناقصات فتكون صفة كمال، فيجب اتصاف الله بها، وذلك يوجب مباينته للعالم)) (١).

واستعمله الإمام ابن القيم -رحمه الله- في بيان حكمته تعالى، فقال:

((وكذلك إذا استدللنا على حكمته تعالى بهذه الطرائق (٢)، نحو أن يقال: إذا كان الفاعل الحكيم الذي لا يفعل فعلاً إلا لحكمةٍ وغايةٍ مطلوبةٍ له من فعله، أكمل ممن يفعل لا لغايةٍ ولا لحكمةٍ ولا لأجل عاقبةٍ محمودةٍ، وهي مطلوبة من فعله في الشاهد؛ ففي حقه تعالى أولى وأحرى، فإذا كان الفعل للحكمة كمالاً فينا، فالرب تعالى أولى به وأحق،


(١) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٣٥٤).
(٢) يقصد طريقة قياس الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>