للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك إذا كان التنزه عن الظلم والكذب كمالاً في حقنا، فالرب تعالى أولى وأحق بالتنزه عنه)) (١).

هذه بعض الأمثلة على استعمال هذا النوع من القياس في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وكلام السلف الصالح -رحمهم الله تعالى-، وتركت أشياء غير التي ذكرت مخافة التطويل واكتفاءً بما ذكر، أن ينبه على ما لم يذكر؛ فإنه جارٍ مجراه وسائر على منواله.

وفي هذه النماذج التي ذكرتها من استعمال السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- لهذا النوع من القياس العقلي الصحيح، ردٌ على طوائف النفاة الذين يدَّعون أن السَّلف ليس لهم معرفة بالعقليات، وأنهم ينكرون دور العقل في تحصيل المعرفة والاستدلال عليها، وردٌ أيضاً على طائفة ممن غلت في نفي دور العقل، وبخاصة أهل التصوف منهم، الذين ظنوا أن الكلام في التوحيد، وخاصة باب الصفات منه، لا يكون بالقياس العقلي، وأن استعمال ذلك بدعة وهو المعني من ذم السلف لعلم الكلام.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ((فأما ما يفعله طوائف من أهل الكلام

من إدخال الخالق والمخلوقات تحت قياس أو تمثيل يتساويان فيه، فهذا من الشرك والعدل بالله، وهو من الظلم، وهو ضرب الأمثال لله، وهو من القياس والكلام الذي ذمه السلف وعابوه، ولهذا ظن طوائف من عامة أهل الحديث والفقه والتصوف، أنه لا يتكلم في أصول الدين، ولا يتكلم في باب الصفات بالقياس العقلي، وأن ذلك بدعة، وهو من الكلام الذي ذمه السلف، وكان هذا مما أطمع الأولين (٢) فيهم؛ لما رأوهم ممسكين


(١) مفتاح دار السعادة (٢/ ٤٧٩ - ٤٨٠).
(٢) يقصد المتكلمين والفلاسفة، انظر: بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>