أمَّا أصل هذه الروح ومادتها فهذا لا علم لنا به:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: ٨٥]؛ فأمرٌ استأثر الله تعالى به في علم الغيب عنده.
لكن الله عز وجل شاء أن يكون قِوام هذه الروح وحياتها في معرفة الله وعبادته؛ قال عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: ٢٨]؛ فلا شيء أطيب للعبد ولا ألذ ولا أهنأ ولا أنعم لقلبه وعيشه من محبَّة فاطره وبارئه، ودوام ذِكره، والسعي في مرضاته، لذلك فإنَّ مَنْ في قلبه أدنى حياة أو محبة لربه وإرادة لوجهه وشوق إلى لقائه، فطلبه لهذا الباب وحرصه على معرفته وازدياده من التَّبَصُّر فيه وسؤاله واستكشافه عنه هو أكبر مقاصده وأعظم مطالبه وأجل غاياته، فهذا هو الكمال الذي لا كمال للعبد بدونه، وله خُلق الخلق، ولأجله نزل الوحي، وأُرسلت الرسل، وقامت السموات والأرض، ووُجدت الجنة والنار، ولأجله شُرعت الشرائع، وأُسِّست الملة، ونُصبت القِبلة، وهو قطب رحى الخلق والأمر الذي مدارهما عليه.
وهو بحقٍّ أفضل ما اكتسبته القلوب، وحصَّلته النفوس، وأدركته العقول، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة الحق فيه (١).
وإذا تأملت أعمال القلوب وجدت-مثلًا-أن كل حبٍّ هو تَبَعٌ لحبِّ الله عز وجل؛ وكذلك الخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والإخلاص، والرغبة، والرهبة .. إلى غير ذلك.