للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى علي، أو العكس، بأن يتضح لي ويخفى عليك، فالمعنى قد لا يبلغه عقلك أو فهمك، وهذا وقع حتى لبعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فالصحابة رضوان الله عليهم لما سمعوا قول الله -عز وجل-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢]، جاءوا يبكون ويقولون للنبي: "وأينا لم يظلم نفسه" ففهموا من الظلم ظلم النفس، فأرشدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المعنى الحق، وقال: «ألم تسمعوا لقول العبد الصالح يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم» (١)، فأفهمهم بأن المراد من الظلم هنا هو الشرك؛ لأن الظلم على ثلاثة أنواع:

ظلم النفس، وظلم الغير، والظلم بمعنى الشرك.

وهذا عدي بن حاتم عربي قُح، عندما سمع قول الله -عز وجل-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]، جاء بحبلين بعقالين أحدهما أسود والثاني أبيض ووضعهما تحت وسادته وأخذ ينظر إليهما، يريد أن يتبين إليه الأبيض من الأسود، فلما جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن قفاك لعريض ألم يقل من الفجر» (٢)، فبين له أن المعنى هنا بياض النهار وسواد الليل.

فيقع التباس وعدم قدرة على الفهم من جهة المعنى.


(١) انظر صحيح البخاري كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابٌ: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ برقم (١٥)، ومسلم كِتَابُ الْإِيمَانَ، بَابُ صِدْقِ الْإِيمَانِ وَإِخْلَاصِهِ (١٢٤)، والترمذي (٣٠٦٧)، والإمام أحمد في المسند مسند المكثرين من الصحابة (٣٥٨٩).
(٢) انظر صحيح البخاري كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]، برقم (١٩١٦)، ومسلم كِتَاب الصِّيَامِ، بَابُ بَيَانِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ … برقم (١٠٩٠)، والترمذي (٢٩٧٠)، والنسائي (٢١٦٩)، والإمام أحمد في المسند أَوَّلُ مُسْنَدِ الْكُوفِيِّينَ (١٩٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>