للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف تطلب لها معنى وهي ليست كلمة، وكما قال في ذلك ابن مالك:

كَلَامُنَا لَفْظٌ مُفِيْدٌ كَاسْتَقِمْ … وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ (١)

فالكلام ما أفاد معنى، ولا يكون كلاماً حتى يكون مركباً من حروف.

أما الحروف فهي ليست كلاماً حتى تطلب لها معنى.

ثم من معلوم أن الله تعبدنا بالنصوص ألفاظا تلاوة، وتعبدنا بالقرآن كذلك معنى، فنحن متعبدون بإتباع ما جاء فيه، ولا يُعقل أن الله سبحانه وتعالى يتعبدنا بأمرٍ ليس لنا سبيل إلى معرفة معناه، فأمر المعنى أهل السنة لا يفوضون فيه المعاني، وإنما يفوضون الكيفيات.

فليس لإنسان أن يفسر شيئاً من ذلك بهواه أو يرده فإذا رده كان شأنه شأن الجهمية؛ لأن الجهمية هم الذين عطلوا النصوص، عطلوها ألفاظاً بردها، وعطلوها معانٍ بتحريف معانيها، فقالوا: استوى استولى، وقالوا: "اليد بمعنى النعمة والقدرة" (٢) وقالوا: "وجاء ربك وجاء أمر ربك" (٣) فهذا شأن الجهمية رد النصوص، إما ردها ألفاظاً بقوله: " إنها أخبار آحاد ولا يُحتج بها في باب العقائد أو ردوها معانٍ بحيث أولوا أو حرفوا معانيها من المعاني الحقة إلى المعاني الباطلة" (٤)

وبحمد الله تعالى هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو محكم في تنزيله ومحكم في معانيه لكن إذا كان الإنسان يجهل التعامل مع ألفاظ النصوص ومعرفة معانيها فذاك الذي يروج عليه تأويلات هؤلاء، وتأويلاته في غاية من الحمق.


(١) انظر ألفية ابن مالك صفحة (٩).
(٢) انظر الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة صفحة (٤٠).
(٣) انظر الرد على الجهمية للدارمي صفحة (٧٦).
(٤) انظر الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة الجزء الرابع، صفحة (١٥٢٩، ١٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>