قلتم: إنه حي عليم قدير، وقلتم: ليس بجسم، وأنتم لا تعلمون موجودًا حيًا عالما قادرًا إلا جسمًا، فقد أثبتموه على خلاف ما علمتم، فكذلك نحن، وقالوا لهم: أنتم أثبتم حيًّا عالما قادرًا، بلا حياة ولا علم ولا قدرة، وهذا تناقض يُعلم بضرورة العقل".
الشرح
بين المصنف فساد الطريق الذي سلكه أهل الكلام باستخدامهم ما يسمى حجة التركيب أو حجة عدم قيام الحوادث.
وبين المصنف فساد هذا الاحتجاج من وجوه:
الوجه الأول: أن أهل التعطيل يحتجون على ما هو واضح بما هو خفي، ومن المعلوم أن الدليل معرف للمدلول ومبين له فلا يعقل أن يكون الدليل خفيًا والمدلول واضح.
وهنا رام أهل الكلام تنزيه الله عن النقائص كالمرض والحزن والبكاء ونحوها وهو المدلول بدليل نفي التجسيم، ونفي التجسيم أخفي عند عامة العقلاء من نفي هذه النقائص. وكما قال المصنف: "فلا يجوز أن يُستدل على الأظهر الأبين بالأخفى".
وكذلك في الحدود والتعريفات يجب أن يكون التعريف أو حد الشيء واضحا لكي يدل على الشيء المعرف، فلا يحسن تعريف الخمر بالعقار (١)، باعتبار أن إطلاق لفظ العقار لا يعرفه كل أحد كما يعرف الناس الخمر باسمها الذي هو أشهر وأظهر وأعرف. فكذلك الحال لا يحسن إثبات تنزيه الله عن النقائص ببرهان نفي
(١) العقار بالضم الخمر، انظر القاموس المحيط: ص ٠٧٠