للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدراسة:

استنبط السعدي من هذه الآية مسألة عقدية، وهي أن أوصاف الفسق، والنفاق ونحو ذلك تتجزأ، بمعنى أنه يمكن أن يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق، وإيمان وفسق ونحو ذلك، ووجه استنباط ذلك من الآية أن الله سبحانه وتعالى لم يحكم على هؤلاء بالفسق الكامل وإنما بين لهم أن فعلهم هذا فسوق بهم، فعدم الحكم عليهم بالفسق الكلي مفهومه أن عندهم إيمان، وبهذا يتبين أن الإنسان يمكن أن يجتمع فيه فسق وإيمان.

وقد أشار ابن القيم إلى هذا المعنى فقال: (أما الفسوق الذي لا يخرج عن الإسلام فكقوله تعالى: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}). (١)

وهذا الاستنباط فيه توضيح لمسألة مهمة تعتبر من أهم مسائل العقيدة، بل أشار بعض العلماء إلى أنها أول مسألة فرقت الأمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فكان من أول البدع والتفرق الذي وقع في هذه الأمة بدعة الخوارج المكفرة بالذنب فإنهم تكلموا في الفاسق الملي فزعمت الخوارج والمعتزلة أن الذنوب الكبيرة ومنهم من قال والصغيرة لا تجامع الإيمان أبداً بل تنافيه وتفسده كما يفسد الأكل والشرب الصيام؛ قالوا لأن الإيمان هو فعل المأمور وترك المحظور فمتى بطل بعضه بطل كله كسائر المركبات) (٢).

والحق كما في هذه الآية أن الإيمان قد يجتمع معه فسق، فيكون الإنسان مؤمن بإيمانه فاسق بخطيئته، فلا تسلب المعصية مطلق الإيمان، ولا يكون المسلم كافراً بارتكابه المعصية، ولا مخلداً في النار، قال البخاري في صحيحه، باب كفران العشير وكفر دون كفر (٣)، قال ابن بطال (٤): (غرض البخاري الرد على من يكفر بالذنوب كالخوارج، ويقول:


(١) انظر: مدارج السالكين (١/ ٣٩٠).
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٢/ ٤٧٠).
(٣) انظر: صحيح البخاري كتاب الإيمان، باب كفران العشير وكفر دون كفر، ص (٨).
(٤) هو: العلامة أبوالحسن، علي بن خلف بن عبدالملك بن بطال، البكري، القرطبي، البلنسي، المالكي، المعروف بابن اللجام، له مؤلفات منها: شرح صحيح البخاري، والاعتصام في الحديث، وكتاب الزهد والرقائق، وكتاب الأحكام، والثلاثة الأخيرة كلها مفقودة، توفي عام ٤٤٩ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٤٧)، وشجرة النور الزكية (١١٥)، والأعلام (٤/ ٢٨٥).

<<  <   >  >>