(٢) هذه الآية من أشكل آيات القرآن، كما قال مكي بن طالب: هذه الآيات عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعراباً ومعنى وحكماً، ولأجل هذا أوردت هنا بعض الإشكالات فيها، سواء فيما يتعلق بالمحكم والمنسوخ، أوفيما يتعلق بالمعنى، وأوردت هنا ما له أثر على الاستنباط بمعنى أن صحته تؤيد الاستنباط، وعدمه يلغي الاستنباط، فمن ذلك: قوله تعالى: (منكم) فيها: قولان: أحدهما: من أهل دينكم وملتكم، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد ابن المسيب، وسعيد بن جبير، وشريح، وابن سيرين، والشعبي. والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله الحسن، وعكرمة، والزهري، والسدي. وقوله تعالى: {أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم. وفي قوله: "من غيركم" قولان: أحدهما: من غير ملتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول، والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله أرباب القول الثاني. فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة، أو من غير القبيلة لا يشك في إِحْكَامِ هذه الآية. فأما القائل بأن المراد بقوله: {أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أهل الكتاب إِذا شهدوا على الوصيّة في السفر، فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنها محكمة، والعمل على هذا باق، وهو قول ابن عباس، وابن المسيب، وابن جبير. وابن سيرين، وقتادة، والشعبي، والثوري، وأحمد في آخرين. والثاني: أنها منسوخة بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وهو قول زيد بن أسلم، وإِليه يميل أبوحنيفة، ومالك، والشافعي، قالوا: وأهل الكفر ليسوا بعدول، والأول أصح، لأن هذا موضع ضرورة كما يجوز في بعض الأماكن شهادة نساء لا رجل معهن بالحيض والنفاس والاستهلال. انظر: زاد المسير (٤١٥ - ٤١٦)، والتفسير الكبير (١٢/ ٩٥)، والمحرر الوجيز (٥٨٩)، والجامع لأحكام القرآن (٦/ ٣٢٤).