وكذلك الإعراض عن كثير من الطّيبات للتطلّع على ما هو أعلى من عبادة أو شغل بعمل نافع وهو أعلى الزهد، وقد كان ذلك سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصّة من أصحابه، وهي حالة تناسب مرتبته ولا تتناسب مع بعض مراتب الناس، فالتطلّع إليها تعسير، وهو مع ذلك كان يتناول الطيّبات دون تشوّف ولا تطلّع (١).
٢٠١ - قال السعدي - رحمه الله -: (تأملت في فائدة تكرار التقوى في هذه الآية ثلاث مرات فوقع لي أحد وجهين: أحدهما، أن الأول للماضي، والثاني للحال، والثالث في المستقبل، وبيان ذلك، أن قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} أن جناح نكرة في سياق النفي فتعم الماضي والمستقبل والحال، لأنه نفي الجناح عن المؤمنين مطلقاً وهذا النفي العام لا ينطبق إلا على الأحوال الثلاثة، ويكون هذا التكرار من محترزات القرآن، التي يحترز الباري فيها عن كل حال تقدر وتمكن لأنهم لو اتقوا في الماضي أو في الحال أو فيهما دون المستقبل لم يصدق عليهم نفي الجناح، ولا بد في كل حالة من الأحوال التي تقام فيها التقوى من الإيمان والعمل الصالح ومن الإيمان والإحسان يؤيد هذا الاحتمال قوله: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ