للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدراسة:

استنبط السعدي من هذه الآية أن من حرم حلالاً على نفسه، فإنه لا يكون حراماً عليه بتحريمه، كما أنه لا ينبغي أن يتجنب الطيبات بل يأكلها مستعيناً بها على طاعة الله، ووجه استنباط ذلك من الآية أن الله نهي عن تحريم ما أحل، مما يدل على أن التحريم لا أثر له، فيبقى الحلال حلالاً لا يؤثر عليه تحريم الإنسان له.

وقد وافق بعض المفسرين السعدي على هذا الاستنباط، قال إلكيا الهراسي: (فيه دليل على أن العبد لا يمكنه أن يحرم على نفسه ما أحله تعالى له بعقده وقصده) (١)، وقال الجصاص: (وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول الممتنعين من أكل اللحوم والأطعمة اللذيذة تزهداً، لأن الله قد نهى عن تحريمها وأخبر بإباحتها، ويدل على أن لا فضيلة في الامتناع من أكلها) (٢)، وممن قال بذلك من المفسرين: ابن العربي، والخازن، والرازي، وابن عاشور (٣).

وفي هذا الاستنباط حكمة عظيمة وهو بقاء الحلال والحرام في إطار الحفظ من الأهواء، ومن التنطعات كذلك، فربما شُوه الإسلام بتنطع مُحرم، وربما هُون الأمر بارتكاب محرم وتحليله، فلم تكن الشريعة في متناول الأهواء حتى لو فرضها الإنسان على نفسه فإن ذلك لا يغير من الحق شيئاً، بل يبقى الحلال حلالاً، ويبقى الحرام حراماً.

كما أن هنا النهي إنّما هو عن تحريم ذلك على النفس، أمّا ترك تناول بعض ذلك في بعض الأوقات من غير التزام ولقصد التربية للنفس على التصبّر على الحِرمان عند عدم الوجدان، فلا بأس به بمقدار الحاجة إليه في رياضة النفس.


(١) انظر: أحكام القرآن للكيا الهراسي (٣/ ١٢٠).
(٢) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٥٦٥).
(٣) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ١٢٢)، ولباب التأويل (٢/ ٧١)، والتفسير الكبير (١٢/ ٥٩)، والتحرير والتنوير (٧/ ١٦).

<<  <   >  >>