فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: ٢٠٣] فإن قوله {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} نظير قوله جناح ولما كانت هذه الآية لا يتصور فيها الماضي كما هو بين لأنه شرط وجزاء للمستقبل ويصلح للحال قال: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} يعني في الحال لمن اتقى الله فيها ثم ذكر ما يصلح للمستقبل فقال {وَاتَّقُوا اللَّهَ} فإذا قرنت هذه بتلك بانت لك فائدة التكرار، وأن ذلك لأجل عموم الأزمنة.
الوجه الثاني: أن الأول في مقام الإسلام والثاني في مقام الإيمان والثالث في مقام الإحسان: والمؤمن لا تكمل تقواه حتى يترك ما حرم الله ولا يتم دينه إلا بهذه المقامات الثلاثة لأن مقام الإسلام يقتضي وجود الأعمال الظاهرة مع الإيمان والتقوى، فقال فيها:{إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ومقام الإيمان لا بد فيه من القيام بأركان الإيمان مع التقوى، فقال فيه:{ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا} ومقام الإحسان لا بد فيه من المقام بالإحسان مع التقوى، فقال فيه:{ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} فنفي الجناح العام لا يكون إلا لمن قام بمقامات الدين كلها ; وعلى هذين الوجهين ففي الآية الكريمة من بيان جلالة القرآن وعظمته وإحكام معانيه ورصانتها وعدم اختلالها واختلافها، ما يشهد به العبد أنه كلام الله حقا وصدقا وعدلا وأنه محتو على أعلى رتب البلاغة التي لا يقاربه فيها أي كلام كان، وقد يقال إن كلا الوجهين مراد، لأن اللفظ لا يأباه والمعنى مفتقر إليه ; وطريقة القرآن أن يحمل على أعم الوجوه المناسبة لأنه تنزيل من حكيم حميد، عليم بكل شيء، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه). ا. هـ (١)
الدراسة:
استنبط السعدي من هذه الآية فائدة تكرار التقوى ثلاث مرات في هذه الآية، واستحسن في ذلك وجهين: أحدهما: لشمولية عموم الأزمنة،