للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أولاً: مدح النفس بما فيها للمصلحة ليس بمحرم إنما المحرم إذا كان المراد التطاول، والوصول إلى غير ما يحل، قال الرازي: (مدح النفس إنما يكون مذموماً إذا قصد الرجل به التطاول والتفاخر والتوصل إلى غير ما يحل، فأما على غير هذا الوجه فلا نسلم أنه محرم فقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] المراد منه تزكية النفس حال ما يعلم كونها غير متزكية) (١).

ثانياً: أما الحديث فالجواب عنه: أن طلب الولاية المنهي عنه إذا كان هناك من يساويه في الفضل؛ لأن طلبها مع وجود غيره ممن هو أكفأ يدل على أنه يريد نفع نفسه لا يريد نفع الخلق، أما إذا لم يكن هناك غيره، وكان يريد نفع الخلق فالواجب عليه أن يتقدم لهذه الولاية وليست من باب النهي الوارد حينئذ، وعند التأمل في الولاية التي طلبها يوسف نجد أنه كان كفواً ليس لا ينافسه غيره، كما أنه يريد نفع الناس إذ طلب أمراً يرى احتياج الناس إليه فيه، قال ابن عاشور: (وهذه الآية أصل لوجوب عرض المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علم أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة، وخاصة إذا لم يكن ممّن يتهم على إيثار منفعة نفسه على مصلحة الأمة. وقد علم يوسف عليه السلام أنه أفضل الناس هنالك لأنه كان المؤمن الوحيد في ذلك القطر، فهو لإيمانه بالله يبث أصول الفضائل التي تقتضيها شريعة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، فلا يعارض هذا ما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة؛ لأن عبد الرحمان بن سمرة لم يكن منفرداً بالفضل من بين أمثاله ولا راجحاً على جميعهم) (٢)، وقال الخازن: (قلت إنما يكره طلب الإمارة إذا لم يتعين عليه طلبها فإذا تعين عليها طلبها وجب ذلك عليه ولا كراهية فيه، وقيل إنه علم انه سيحصل قحط وشدة إما بطريق الوحي من الله أو بغيره وربما أفضى ذلك إلى هلاك معظم الخلق، وكان في طلب الإمارة إيصال


(١) انظر: التفسير الكبير (١٨/ ١٢٨).
(٢) انظر: التحرير والتنوير (١٣/ ٩).

<<  <   >  >>