استنبط السعدي من هذه الآية استنباطاً إعجازياً، وهذا الاستنباط هو أن المراكب المستحدثة سواء منها ما يستخدم في الجو، أوفي البر، أوفي البحر، قد ذكرها الله في كتابه في هذه الآية، ولكن طريقة القرآن أن لا يذكر فيه إلا ما له نظير يعرفه الناس، وما عدا ذلك فإنه يذكره في أصل عام يدخل فيه ما يعرفونه، وما يستجد بعدهم، وهذا الاستنباط هو من قبيل الإعجاز الغيبي.
وقد وافق السعدي على هذا الاستنباط بعض المفسرين، قال ابن عاشور:(فالذي يظهر لي أن هذه الآية من معجزات القرآن الغيبية العلمية، وأنها إيماء إلى أن الله سيلهم البشر اختراع مراكب هي أجدى عليهم من الخيل والبغال والحمير، وتلك العجلات التي يركبها الواحد ويحركها برجليه وتسمى (بسكلات)، وأرتال السكك الحديدية، والسيارات المسيّرة بمصفّى النفط وتسمى (أطوموبيل)، ثم الطائرات التي تسير بالنفط المصفّى في الهواء، فكل هذه مخلوقات نشأت في عصور متتابعة لم يكن يعلمها من كانوا قبل عصر وجود كل منها.
وإلهام الله الناس لاختراعها هو ملحق بخلق الله، فالله هو الذي ألهم المخترعين من البشر بما فطرهم عليه من الذكاء والعلم وبما تدرجوا في سلّم الحضارة واقتباس بعضهم من بعض إلى اختراعها، فهي بذلك مخلوقة لله تعالى لأن الكلّ من نعمته) (١)، وقال الشنقيطي: (ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها، وأبهم الذي يخلقه لتعبيره عنه بالموصول ولم يصرح هنا بشيء منه، ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات، وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية، كالطائرات، والقطارات،