للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعلوم أن النفس من طبعها أنها أمارة بالسوء، فإذا كان هذا طبعها علم أن ذمهم على اتباع الشهوات يدخل فيه المعاصي كلها، فلذلك رتب على هذا العقاب البليغ في قوله: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وهذا بخلاف المؤمن المطيع لله، فإنه - وإن تناول الشهوات - فإنه لا يتبعها ولا تصير أكبر همه، ولا مبلغ علمه، بل يتناولها على وجه تكون هي تابعة لغيرها لا متبوعه. وخواص المؤمنين يتناولون الشهوات بقصد التوسل بها إلى القربات فتنقلب طاعات). ا. هـ (١)

الدراسة:

استنبط السعدي من هذه الآية أن الذم إنما هو لمتبعي الشهوات دو متناوليها بقيدها الشرعي وهو كونها حلالاً وبلا إسراف، ووجه استنباط ذلك من الآية أن الله ذم متبعي الشهوات، مما يدل على أن متناوليها ليسوا بمذمومين، فالذم خاص بالاتباع فقط دون مجرد التناول.

وقد أشار إلى قريب من ذلك البقاعي فقال: ({وَاتَّبَعُوا} أي بغاية جهدهم) (٢).

وهذا الاستنباط فيه بيان الفرق بين من تكون له الشهوة قصداً يترك من أجلها أي شيء، ومن تكون الشهوة له عارض ولكنها ليست مقصودة لديه بل هي تبع.

وهذا الاستنباط فيه إشارة إلى ضابط من ضوابط تناول الشهوات، فإن الإنسان من طبعه الميل إلى حب الشهوة وفعلها، ولكن الفارق بين حدود المباح والمحظور في ذلك هو ميل القلب إليها بالكلية وجعلها مقصداً، فالمؤمن يجعلها عارضة، وأما غير المؤمن فيجعلها قصداً.

ولو أخذنا مثال الكرة في هذا الزمان لتبين لنا معنى هذا الاستنباط


(١) انظر: المواهب الربانية للسعدي (٦٠).
(٢) انظر: نظم الدرر (٤/ ٥٤٥).

<<  <   >  >>