للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكتابة، وكذلك إذا لم يعلم السيد منه خيراً، أو علم منه شراً؛ فإنه في هذه الحالة لا يكون مأموراً بمكاتبته، ووجه استنباط ذلك من الآية أن الله أمر بالكتابة إذا طلب المكاتب ذلك وبشرط أن يكون في المكاتب خيراً، فدل مفهوم المخالفة أن المكاتب إذا لم يكن كذلك فإنه لا يُكاتَب.

أما الجزء الأول من الاستنباط وهو أن السيد لا يكاتب مملوكه إلا إذا طلب منه ذلك فهذا فيه نظر؛ إذ المكاتبة فعل بر ينبغي للإنسان المبادرة إليها، فإذا ندب للإنسان أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك وله في ذلك أجر الامتثال، فلأن يؤجر على المبادرة ابتداء من باب أولى.

وأما الجزء الثاني من الاستنباط وهو أن المكاتبة مشروطة بعلم الخير في المكاتب؛ فهذا صحيح يؤيده مفهوم الشرط في قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فدل مفهوم الشرط أنه مع عدم علم الخيرية ينتفي الأمر بالمكاتبة، قال اللاحم: (ويفهم من الآية أنه إذا لم يتوفر هذا الشرط وهو قوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فلا يؤمر بمكاتبتهم، سواء حمل الأمر على الوجوب، أو على الاستحباب، بل لا تنبغي مكاتبتهم، وذلك لئلا يضيع حق المالك، ويكون المملوك عالة على الغير) (١).

وخالف بعض المفسرين في ذلك فقالوا إن انتفاء هذا الشرط إنما هو انتفاء للوجوب أو الاستحباب فقط أما الجواز فقائم، قال البيضاوي: (وهو شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز) (٢)، ووافقه على ذلك: محيي الدين شيخ زاده، وشهاب الدين الخفاجي، حقي. (٣)

ومفهوم الشرط يؤيد ما ذهب إليه السعدي ومن وافقه، كما أن مكاتبة من لا خير فيه، فيه زيادة إيذاء للمجتمع فكون العبد الذي لا خير فيه مملوكاً أهون في اتقاء شره من كونه حراً، كما أن مكاتبة من لا خير فيه


(١) انظر: تفسير سورة النور للاحم (١٩٦).
(٢) انظر: أنوار التنزيل (٢/ ٤٩٦).
(٣) انظر: حاشية زاده على البيضاوي (٦/ ٢١٩)، وحاشية الشهاب على البيضاوي (٧/ ٤٨)، وروح البيان (٦/ ١٦١).

<<  <   >  >>