للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني، إنما هو لصدق كلام الأول، ووجه استنباطه لصحة كلام الأول هو السياق، مما يبطل القول بأن داود تعجل في حكمه، أولم لم يستمع لقول الخصم الآخر.

وقد وافق بعض المفسرين السعدي على هذا الاستنباط، قال الجصاص: (وقوله تعالى: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} من غير أن يسأل الخصم عن ذلك يدل على أنه أخرج الكلام مخرج الحكاية والمثل على ما بينا، وأن داود قد كان عرف ذلك من فحوى كلامه، لولا ذلك لما حكم بظلمه قبل أن يسأل فيقر عنده أو تقوم عليه البينة به) (١)، وقال ابن عاشور: (قد عَلم داود من تساوقهما للخصومة ومن سكوت أحد الخصمين أنهما متقاربان على ما وصفه الحاكي منهما) (٢).

وذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الحكم المباشر من داود دون أن يستمع إلى حجة الخصم الآخر إنما هو بناء على أحد أمرين: إما أن الطرف الآخر أقر وحينئذ فلا داعي لسماع دعواه، وإما أن يكون ذلك بناء على محذوف تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك (٣).

وما استنبطه السعدي ومن وافقه هو الأقرب إلى الصوب؛ إذ ليس في القصة ما يدل على إقرار الطرف الآخر، كما أن تقدير محذوف في الكلام لا يستقيم مع إمكانية فهم الكلام دون تقدير المحذوف (٤)، فلم يبق إلا القول بأن داود فهم من سياق الكلام صحة قول الطرف الأول، وحينها لم يحتج للاستماع لقول الطرف الثاني. والله أعلم.


(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٣/ ٤٩٩).
(٢) انظر: التحرير والتنوير (٢٣/ ٢٣٥).
(٣) انظر: معالم التنزيل (٤/ ٤٧)، والتفسير الكبير (٢٦/ ١٧٢)، والبحر المحيط (٧/ ٣٧٧)، وأنوار التنزيل (٣/ ١٧٠)، وروح المعاني (١٢/ ١٧٤).
(٤) انظر: تفسير القرآن الكريم سورة (ص) للعثيمين (١٠٤).

<<  <   >  >>