للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والشم والذوق واللمس، ولا شك أن آلة اللمس هي الجلد، فالله تعالى ذكر هاهنا من الحواس وهي السمع والبصر واللمس، وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم، لأن الذوق داخل في اللمس من بعض الوجوه، لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان والحنك مماسة لجرم الطعام، فكان هذا داخلاً فيه فبقي حس الشم وهو حس ضعيف في الإنسان، وليس لله فيه تكليف ولا أمر ولا نهي) (١)، وممن أشار إلى ذلك كذلك من المفسرين أيضاً: أبوحيان (٢).

بينما ذهب ابن عاشور إلى معنى آخر في التخصيص فقال: (وتخصيص السمع والأبصار والجلود بالشهادة على هؤلاء دون بقية الجوارح لأن للسمع اختصاصاً بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي آيات القرآن، فسمعهم يشهد عليهم بأنهم كانوا يصرفونه عن سماع ذلك كما حكى الله عنهم بقوله: {وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ} [فصلت: ٥]، ولأن للأبصار اختصاصاً بمشاهدة دلائل المصنوعات الدالة على انفراد الله تعالى بالخلق والتدبير فذلك دليل وحدانيته في إلهيته، وشهادة الجلود لأن الجلد يحوي جميع الجسد لتكون شهادة الجلود عليهم شهادة على أنفسها فيظهر استحقاقها للحرق بالنار لبقية الأجساد دون اقتصار على حرق موضع السمع والبصر) (٣).

ولم يظهر هناك نوع تعارض بين هذه التخريجات الثلاثة فكلها صحيحة ومرادة فيكون التخصيص لهذه الأعضاء لجميع ما ذكر. والله أعلم.


(١) انظر: التفسير الكبير (٢٧/ ١٠١).
(٢) انظر: البحر المحيط (٧/ ٤٧١).
(٣) انظر: التحرير والتنوير (٢٤/ ٢٦٧).

<<  <   >  >>