للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليه أهل السنة والجماعة. فقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) أثبت: أنه لهم مشيئة حقيقية، وفعلاً حقيقياً - وهو الاستقامة - باختيارهم، فهذا رد على الجبرية. وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أخبر: أن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله، وأنها لا توجد بدونها، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ففيها رد على القدرية القائلين: " إن مشيئة العباد مستقلة، ليست تابعة لمشيئة الله ": بل عندهم يشاء العباد ويفعلون ما لا يشاؤه الله، ولا يقدره ودلت الآية على الحق الواضح، وهو: أن العباد هم الذين يعملون الطاعات والمعاصي حقيقة، ليسوا مجبورين عليها: وأنها - مع ذلك - تابعة لمشيئة الله كما تقدم كيفية وجه ذلك). ا. هـ (١)

الدراسة:

استنبط السعدي من هاتين الآيتين الرد على القدرية النفاة الذين يقولون إن العبد له مشيئة مستقلة ليست تابعة لمشيئة الله، وكذلك على الجبرية القائلين إن العبد لا مشيئة له وأنه مجبور على فعل نفسه فهو كالريشة في مهب الريح، ووجه استنباط هذا الرد أن في قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} إثبات مشيئة العبد وأن له فعلاً حقيقة وذلك


= مريد ولا مختار، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش وهبوب الرياح وحركات الأشجار.
وكل دليل صحيح يقيمه القدري فإنما يدل على أن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأنه مريد له مختار له حقيقة، وأن إضافته ونسبته إليه إضافة حق، ولا يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته.
فإذا ضممت ما مع كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى - فإنما يدل ذلك على ما دل عليه القرآن وسائر كتب الله المنزلة، من عموم قدرة الله ومشيئته لجميع ما في الكون من الأعيان والأفعال، وأن العباد فاعلون لأفعالهم حقيقة، وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم. انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز بتصرف (٦٣٩)، ومجموع فتاوى ابن تيمية (٨/ ٣٧٥ و ٣٩٣).
(١) انظر: الدرة البهية للسعدي (١٥٥)، وتفسير السعدي (٩١٤).

<<  <   >  >>