للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات، وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعا في سفك الدماء، فاللَّه تعالى أعلم بالصواب، وحقائق الأمور وسرائرها، وخفيات الصدور وضمائرها، قلت -أي ابن كثير-: الحجاج أعظم ما نقم عليه، وصح من أفعاله، سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند اللَّه عَزَّ وجَلَّ، وقد كان حريصا على الجهاد، وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيرا ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلثمائة درهم واللَّه أعلم" (١).

وهذا الذي حققه ابن كثير هو مذهب جماهير أهل السنة، وهو موافق لعقيدتهم في الفاسق الملي، ومرتكب الكبيرة، وعصاة الموحدين، من أنهم لا يسلبون إيمانه مطلقا، ولا يطلقونه عليه مطلقا، وإنما يطلق عليه مقيدا، فيقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، ونحو ذلك، ولهذا لم يكفره من أدركه من الصحابة، كعبد اللَّه بن عمر، وأنس ابن مالك، بل صلوا وراءه رغم تأخيره الصلاة عن وقتها (٢)، ولما ناقش شيخ الإسلام من كفّر معاوية -رضي اللَّه عنه- قال: "ولو قال قائل هذا فيمن هو دون معاوية، من ملوك بني أمية، وبنى العباس، كعبد الملك بن مروان وأولاده،


(١) البداية والنهاية (٩/ ١٣٣).
(٢) انظر مجموع الفتاوى (٣/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>