للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-يريد بذلك الديوانَ-، قال كعبٌ: فَقَلَّ رجل يريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ (١) أنَّ ذلك سَيَخْفَى [له] ما لَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْيٌ مِنَ الله عزَّ وجَلَّ.

وغَزا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلكَ الغزوةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظلالُ، فأنا إليْها أَصْعَرُ (٢)، فتَجهَّزَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون مَعَهُ، وطَفِقْتُ أَغدو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعهُمْ، فأرْجعُ ولَمْ أَقْضِ مِنْ جهازِي شَيْئاً، وأَقُولُ في نفسي: أنا قادِرٌ على ذلك إذا أرَدْتُ، فلَمْ يَزَلْ ذلك يتَمادى بِي حتَّى اسْتَمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غادِياً والمسلمونَ معَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهازي شيْئاً، ثُمَّ غدوْتُ فرجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ ذلك يَتَمادى بي حتَّى أسْرعوا وتَفَارَطَ (٣) الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فأدْرِكَهم، -فيا لَيْتَني فعلْتُ- ثُمَّ لَمْ يُقدَّرْ لي ذلك.

وطفِقْتُ إذا خَرجْتُ في الناسِ بعدَ خُروجِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْزُنُني أَنِّي لا أرى لي أُسْوَةً إلا رَجُلاً مَغْموصاً (٤) عليه في النِّفاقِ، أو رَجُلاً مِمَّنْ عَذر الله مِنَ الضُعفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بلَغَ (تبوكَ)، فقالَ وهو جالِسٌ في القْوِم بـ (تبوك):

"ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مالكٍ؟ "،

فقالَ رجلٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ: يا رَسولَ الله! حبَسهُ بُرْداهُ، والنَّظرُ في عِطْفَيْهِ.

فقال له معاذُ بْنُ جَبلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، والله يا رسولَ الله! ما علِمْنا عليهِ إلا خَيْراً. فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبيَنْا هو على ذلك رأى رجُلاً مُبَيِّضاً يزولُ


(١) لفظ مسلم: (يظن).
(٢) أي: أميل كما يأتي في الكتاب.
(٣) أي: فات، وكان الأصل: (وتفاوت)، والتصحيح من "الصحيحين".
(٤) بالغين المعجمة والصاد المهملة: أي: مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق كما في "الفتح" وغيره. ووقع في الأصل (مغموضاً) بالضاد المعجمة وبذلك قيده المؤلف كما يأتي، وهو من أوهامه رحمه الله، وتبعه عليه وعلى غيره مما يأتي التنبيه عليه المعلقون الثلاثة!!

<<  <  ج: ص:  >  >>