للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"كُنْ أبا خَيْثَمَة".

فإذا هو أبو خَيْثَمِةَ الأنْصارِيّ، وهو الذي تَصدَّقَ بصاعِ التمْرِ حينَ لَمَزَه المُنافِقونَ.

قال كعبٌ: فلمَّا بلَغني أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تَوجَّه قافِلاً مِنْ (تبوك) حَضَرني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتَذكر الكَذِبَ، وأقولُ: بِمَ أَخْرُج مِنْ سخَطِه غَداً؟ وأسْتَعينُ على ذلك بِكُلِّ ذي رأيٍ مِنْ أَهْلي، فلمَّا قيل: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلَّ (١) قادِماً، زاحَ عنِّي الباطِلُ، حتَّى عَرَفْتُ أنِّي لَنْ أنْجُوَ منهُ بِشَيْءٍ أَبداً، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ.

وأصَبح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادِماً، وكانَ إذا قدِمَ مِنْ سَفَرٍ بدأ بالمسْجِدِ فركَع فيه ركْعَتين، ثُمَّ جلَس لِلناسِ، فلمَّا فَعلَ ذلك جاءَه المخلَّفون، فَطفِقوا يَعْتَذِرونَ إليه وَيحْلِفونَ له، وكانوا بِضْعَةً وثَمانينَ رجُلاً، فَقبِلَ مِنْهُمْ علانِيَتَهُمْ، وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، ووَكَلَ سَرائِرَهُمْ إلى الله، حتَّى جِئْتُ، فلمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قال:

"تعالَ". فجئْتُ أمْشي حتى جَلَسْتُ بيْنَ يديْهِ، فقال لي:

"ما خَلَفكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ".

قلتُ: يا رسول الله! إنِّي والله لو جلَسْتُ عندَ غيرِكَ مِنْ أهْل الدنيا لرأَيْتُ أنِّي سَأخْرُج مِنْ سخَطِهِ بِعُذْرٍ، ولقدْ أُعطِيْتُ جَدلاً، ولكنِّي والله لقدْ علِمْتُ لَئْن حدَّثْتُكَ اليومَ حَديثَ كذبٍ ترضَى به عنِّي؛ ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسْخِطكَ عليَّ، ولَئِنْ حدَّثتْكُ حديثَ صدق تَجِدُ عليَّ فيه؛ إنّي لأَرْجو فيه عُقْبى الله عزَّ وجلَّ -في رواية: عفو الله- والله ما كانَ لي مِنْ عُذْرٍ، ما كنْتُ قَطُّ أَقْوى


(١) أي: دنا قدومه، كأنه ألقي على ظله.
و (زاخ) بالزاي، أي: زال. ووقع في الأصل بالراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>