للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفتاوى، وتارة بغير ذلك، وهو يحترقُ ويلِحُّ في الطَّلب، فما احتملتُ أنا ذلك، وكنت بجانبه سواء، فأمليتُه مِنْ حفظي السَّندَ المشارَ إليه سرًّا، وما خطر لي أن يُعلمه بذلك، فبمجرّد تمامه قال: قُضيَ الأمر وبطَلت الحاجة! فقال له: كيف؟ فأشار إليَّ، فأظهر سُرورًا بذلك.

وبينهما مِنَ المُلاطفات غيرُ ذلك. ومع هذا كلِّه، فقد قال له (١) مرَّةً في حالة مرافقته له في السَّفر إلى آمد، عندما تكرَّر منه كَثْرَةُ صبِّ الماءِ والتَّمادي في الوضوء لوسواسٍ كان عنده، وكذا في تكرار النِّيَّة عند الإحرام بالصَّلاة حتى يكاد يخرجُ وقت الصَّلاة، واحتدَّ عليه: متى عدتُ أراك تفعلُ هكذا، ضربتُ عُنقَك! وإنَّما قاله رحمه اللَّه مبالغةً، فأجابه بقوله: عجيبٌ، كيف يصير ابنُ سالمٍ عاطبًا! فتبسم شيخنا.

وكان لابن سالم مُمَاجناتٌ كثيرة، مع فهم جيِّدٍ وعلم، وقد قرأ على شيخنا في "النَّسائي الكبير"، مع كونه رفيقًا له في سماعه فيه على ابن الكُويك، لكن لجلالته عنده واحتياجه (٢) لضَبْطِ المتون السَّند، والتفقُّه في الحديث، ولغير ذلك، رحمه اللَّه وإيانا.

وكذا كان كثير المماجَنَةِ مع الشِّهاب الرِّيشي، أحدِ جماعته، سمعتُ الرِّيشي يحكي مرَّةً عن شيءٍ أدركه ممَّا اتَّفق قديمًا، فقال شيخنا رحمه اللَّه تعالى: "حاسبُوهم بالتَّاريخ"، ثم أسرَّ قوله: "تجدوهم كذَّابين".

وكثيرًا ما سمعتُه يقول: لا يزال العاميُّ يدِّعي الصِّبا، ويغضبُ ممَّن يصفُه بغيره حتى يزاحم الخمسين، فإذا بلغ ذلك أخذ (٣) يتمشيخ ويبالغ ويقول لمن دُونَه في السِّنِّ ما الذي رأيت؟ أنا رأيتُ السُّلطان الفلاني، واتَّفق كذا، وأكلت كَيْتَ وكَيْت بكذا، وما أشبه ذلك، وربما يدَّعي بعضُهم مجاوزة المائة، وإذا حقق الأمرَ فيه، لا يزيد على السَّبعين، ولهذا كان يمنع


(١) في (أ): "لى"، خطأ.
(٢) في (ط): "واخياطه".
(٣) "أخذ" ساقطة مِنْ (أ).