للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في عَوْده بحارة الأمير يشبك فأجابه، لكن عيَّن له الجلوس بمجلس الهلالية بالدَّجاجين، ليكون مبعدًا عن أميره المشار إليه، فلم يقنع بذلك، وتوسَّل ثانيًا بالأمير المذكور، فكتب له:

إذا أنت لم تقنَعْ ورُمْتَ زيادَةً ... ندِمْتَ ولم تأمَنْ زوالَ الذي حَصَلْ

وقريب مِنْ ذلك: أن أحد النُّوَّاب، الشِّهاب أحمد بن محمَّد بن الدقاق المصري، حضر إليه حين عودهِ للقضاء في بعض المرَّات، يلتمسُ استنابتَه على العادة، فوجد جَمعًا مِنَ النُّواب قد سبقوه إليه، فقضى أربهم، ودخل إلى منزله، فسيَّر إليه (١) قصَّته مع بعض الخُدَّام، فعاد بها بدون الغَرَضِ، فجهَّزها له ثانيًا بعد أن كتب فيها ما معناه: إنَّه إن لم تقض حاجته شكا إلى الفُقراء، فأجابه بما نصُّه: أمَّا ابن الدقَّاق، ففاتته الدقة، فإنه غاب، ومَنْ غاب خاب، وأكل نصيبه الأصحاب، وما مَثَلي ومثَلُه إلا كمثل رجل جاء إلى الطَّحان بزَنبيله، فقال: قدِّمني على غيري، وإلَّا أدعو عليك يَنكَسِرْ حَجَرُكَ وتموتُ دوابُّك، فقال: إن كنتَ مستجابَ الدَّعوة، فادعو لقمحك يبقى دقيقًا.

ومنه فيما بلغني: أنَّ شخصًا به حَوَلٌ مِمَّن كان يعارض (٢) المجاورين بالأزهر، فصاروا يكتبون له بحائط محلِّ جلوسه: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، فاستفتى صاحب التَّرجمة عن ذلك، ورام أن يجيبه بتعزير فاعِلِه، فكتب له ما نصُّه: لا حول ولا قوَّة إلا باللَّه كنزٌ مِنْ كنوزُ الجنَّة.

ومنه: أن بعضَ الطَّلبة قرأ: "وله حُصَاص" (٣)، أعجم أوَّله، فردَّ عليه بقوله: "حاء"، فكانت مِنَ اللَّطائف.

وكان مرَّةً يفرِّقُ على الفقراء دراهمَ، لكلِّ شخصٍ درهمًا، فجاءتهُ امرأةٌ مِنَ الفُقراء مِنْ شُبَّاك المدرسة وهو جالس بها، فقالت له وهي رافعة


(١) "له" ساقطة مِنْ (ب، ط).
(٢) في (أ): "يعارضه".
(٣) يشير إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أذنَّ المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص".
والحصاص: الضُراط. انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٤/ ٩٠.