للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفضلائها حفظًا كبيرًا، واغتبطوا به، وشهدوا له بالتقدُّم في فنون الحديث إلى أعلى رتبة. فأقام بها على طريقته في التصنيف والإقراء والإملاء والكتابة، بل لم يُهمل سماعه على الشيوخ وانتخابه.

ويسر اللَّه عز وجل له مِنْ إقبال الشيوخ عليه وطواعيتهم له أمرًا عجبًا، حتى إن البرهان التنوخي كان قد تعسَّر في أواخر عمره، فلما اجتمع به صاحبُ الترجمة، وخرَّج له "المعجم" و"المائة العشارية"، فرح بها، وانبسط في التَّحديث، فلازمه زيادةً على ثلاث سنين، ووصل عليه بالإجازة شيئًا كثيرًا، وانتفع صاحبُ الترجمة ببركته ودعائه كثيرًا.

وكذا كان مُسنِد الصالحية العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز بن أبي عمر عَسِرًا في التحديث، فسهَّله اللَّه تعالى له بحُسن مقصده، إلى أن أكثَرَ عنه في مدَّة يسيرة، بحيثُ كان يجلس له أكثرَ النَّهار. ونحوه الشرف أبو بكر ابن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة.

وكان الزين أبو الفرج بن الشَّيخة يُبالغ في إكرامه، لخصوصية كانت بينه وبين والده. فكان ذلك عونًا له على الإكثار عنه، مع كونه كان سهلًا.

بل كانت الشيوخ لا تتعدَّى أمرَه وثوقًا منهم به (١)، واعتمادًا على وفور ديانته؛ فمن ذلك أنه قرىء على السويداوي بإجازته مِنْ بعض مَنْ مات قبل مولد السُّويداوي وهمًا مِنَ القاريء، فنبَّه صاحبُ الترجمة السويداويَّ على ذلك، فأشهد على نفسه بالرُّجوع عنه، بل أشهد أنه رجع عن جميع ما قُرىء عليه بالإجازة، إلا إنْ كنت محقَّقَةً. وسيأتي تعيينُ الكتاب والشَّيخِ في أثناء الباب الثالث.

وقد اتَّفق في عصرنا شبيهُ ذلك، وهو أن البقاعي قرأ على الشيخ شمس الدين الصَّفدي الحنفي أحد مَنْ أخذتُ عنه "موطأ الإمام مالك" للقعنبي، بسماعه له -كما شاهده في ضبط بخط (٢) الحافظ برهان الدين


(١) "به" ساقطة من (أ).
(٢) "بخط" ساقطة من (ب).