للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم الثلاثاء تاسع عشري (١) ذي القعدة، وكان المستملي عليه في كلِّها تلميذه ورفيقه في السفر القاضي العلامة نور الدين ابن سالم المارديني، لكونه (٢) لم يكن معه أجلَّ منه عنده، ولا أحبَّ، مع ما هو متَّصِفٌ به مِنَ اللّين والرفق والتواضع وعدم الدعوى وغيرها.

ورحل منها في غضون ذلك إلى جبرين -قرية مشهورة بشرقِيِّها- فقُرىء بها عليه وعلى القاضي علاء الدين ابن خطيب النَّاصرية كتاب "الأربعين" لابن المجبِّر في يوم السبت سبع عشر شوال (٣) روياها معًا عن علي بن إبراهيم بن علي بن يعقوب بن محمد بن صقر الحلبي، فبالسمع: القاضي علاء الدين، وبالإجازة: صاحب الترجمة. لكنه روى لهم أحاديثها مِنَ الأماكن المخرَّج منها بعلُوّ مِنْ حفظه، حتى تعجَّبَ الجماعة.

قلت: وهذا القدر سهلٌ بالنِّسبةِ لعلي مقامه. وقد كنت أسأله عن أسانيدَ، فيكتبها لي بخطِّه مِنْ حفظه.

وبلغني أن الظاهر جقمق أمرَ القاضي وفي الدين السفطي بإسماع عدَّةٍ مِنْ كتب الحديث بالجامع الأزهر، ففعل ذلك، وأمر بإخفاء يوم الختم عَن صاحب الترجمة، خوفًا مِنْ أن يكون هو صاحبَ المجلس، فاتفق أنه علم، فحضر وبقي كلَّما أخذ القارىء -وهو الحاكي لي ذلك -كتابًا يسرُدُ شيخنا سَنده مِنْ حفظه، حتى خُتِمَتِ الكتُبُ كلُّها، فتعجب النَّاسُ، وكاد السفطي -رحمهما اللَّه- أن يُقدَّ غبنًا. والمقام وراء هذا كله.

ومِنَ النُّكت التي عملها مع السفطي أيضًا، وانزعج لذلك، أنَّ شيخنا كان يقدِّمُه في كثير مِنَ المواطن للإمامة لجهورية صوته وفصاحته، وحُسّنِ تلاوته، ومحبَّته لذلك. فاتفق أن السفطي جاء ليعوده مِنْ رمدٍ أصابه، وصاحب الترجمة إذ ذاك متغيِّرُ الخاطر منه. وحضرت صلاةُ المغرب، فتقدم


(١) في (ط): "عشر".
(٢) "لكونه" ساقطة من (أ).
(٣) في (أ): "سبع شوال".