للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرَّأس، فتوهم أنَّه ناعسٌ، فأخذ يضربُ الأرض بمفتاحه مرَّةً بعد أخرى، وأكثرَ مِنْ ذلك، وصاحبُ الترجمة ينظرهُ، وهو يبالغ في ذلك، ولا يرفَعُ رأسه، إلى أن زاد، فعند ذلك قال له: يا أخي، ما مِنْ ضربةٍ إلا وأنا أراها بعيني، أو كما قال. وهذا لسَعَةِ حلمه وعلمه بأحوال الطَّلبة.

وممن بلَّغني عنه مِنَ المتأخرين أنَّه كان يقرِّر "شرح الألفية" لابن المصنِّف وهو ناعسٌ، لشدة إتقانه للفن، الشَّيخُ العارف باللَّه تعالى شمس الدين البوصيري، كما أخبرني بذلك تلميذُه شيخُ المذهب الحنبلي العزُّ العسقلاني.

وقد قال الرافعي رحمه اللَّه في "أماليه": كان أبو الحسن الطالقاني شيخُنا ربما قُرِىءَ عليه الحديثُ وهو يصلِّي، ويصغي إلى ما يقول القارىء، وينبِّهُه إذا زلَّ، يعني بالإشارة. انتهى.

وكذا حُكي عن الدَّارقطني، قال الصُّوري: سمعت رجاء بن محمد يقول: كُنَّا عند الدارقطني وهو يصلي، فقرأ القارىء "نسير بن ذعلوق" فغيَّره "يسير" فسبَّح الدارقطني، فقال القارىء: "بشير" فتلا الدارقطني: {ن وَالْقَلَمِ}.

وحكى حمزةُ نحوها، لكن قال: إنَّ القارىء قرأ عمرو بن سعيد، فسبَّح الدارقطني، [فوقف القارىء] (١)، فقرأ الدارقطني: {يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ}.

قلت: والنَّاس في ذلك متفاوتون؛ وأعلاهم رُتبة ما يُعزى لعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، أنَّه أصيب بسهمٍ في بعض الحُروب، فجذب السَّهمَ، وبقي النَّصلُ في عُضوه، فقيل له: إن لم يخرج العضو لا يمكن إخراجُ النَّصلِ، ويُخاف مِنْ إيذائك، فقال لهم: إذا اشتغلتُ بالصلاة فاستخرجوه (٢)، ففعلوا ذلك، ولم يشعر به. فإنَّه لمَّا فرغ مِنْ صلاته، قال:


(١) ساقطة من (أ).
(٢) في (أ): "فأخرجوه".