يا من أطالت على يوم اللِّقا أسفِي ... هلَّا جعلتِ لهذا الهجر مِنْ سببِ
لا تسألي عن دموعٍ فيكِ سائلةٍ ... وقلبِ صبٍ لصبرٍ غير منقلبِ
في ذمة البين ليلٌ بات يجمعُنا ... والنجمُ يلحظنا شَزْرًا كمرتَقِبِ
والثغرُ يرفع أذيالَ الدُّجى عبثًا ... والشَّعر يخفي مُحيَّا الصُّبْحِ في نَقبِ
وبعد رشْفِ الثَّنايا رحتُ ملتثمًا ... خالًا وكانَ ختامُ المسك مُطَّلَبِي
فجاء حسنُ ختامٍ منه يُسْنِدُ عن ... قاضي القضاة ختامِ العلمِ والأدبِ
حَبْرِ الهدى حافظ الإسلام أحمد مَنْ ... له من "الفتح" ذكرى فتحِ خيرِ نبِي
يا عالمًا شرَحَ اللَّهُ الصدورَ به ... وباسطُ العلم والآمال للطَّلبِ
شرحت صدر البخاري مِثلَ "جامعه" ... فراح ينشدُ: هَذا مُنتهَى الطَّلبِ
هذا المنارُ الذي للعلمِ مرتفعٌ ... اللَّه أكبر كلُّ الفضل في العَربِ
فحبَّذا جامعٌ بالشَّرحِ صار له ... وقفًا كبحرٍ جرى باقٍ مدى الحِقَبِ
أضاء فيه مصابيحٌ مسلسلة ... مِنَ الأحاديث أو مِنْ لفظِك الضَّربِ
شرحٌ حكى الشَّمسَ فالدُّنيا به امتلأت ... تَغِيب زَهرُ الدَّراري وهو لم يَغبِ
فلا تحرِّك لسانًا يا سراجُ، فقد ... لاح النّهارُ وهَذِي الشَّمسُ فاحتجِبِ
نسيج وحدٍ يقول ابن المنيِّر: ما ... حاكت يدايَ له مثلًا فيا بأبي
والزركشيُّ البدرُ لما أن تكلَّف لم ... يَصِلْ إلى ذلك المنوالِ بالذهبِ
وقد غدا لابن بطَّالٍ به شغلٌ ... لمَّا رأى منه ما أربى على الأرَبِ
وباتَ في روضةِ ابن التِّين مرتشفًا ... كأسًا مِنَ الذوق تُزْري بابنةِ العنبِ
فلم يَحُزْ مسلم ما حُزْتَ مِنْ شرفٍ ... يا أحمدَ النَّاس في علمٍ وفي نسبِ
هذا -وحقِّكَ- عامُ الفتحِ حجَّ به ... لِبَيْتِ فضلك وفدُ العلم عَنْ رَغَبِ
فيه بدا الظَّاهِرُ السُّلطانُ واستترت ... أعداؤه بذيول الأرضِ في حُجبِ
تبًّا لهم والقَنَا يهتزُّ في يدهم ... رُعبًا وإن نسلت رُدَّتْ على العَقِبِ
فجاءهُ الفتح نصرًا بالسُّيوف وقد ... تبَّت يدا خصمِه حمالةَ الحطبِ