فالدُّهر في دعة، والزهر مبتسمٌ ... والوُرق تَشْدُو على أعواها القُضُبِ
وجدولُ الروض أضحى دائرًا طَرِبًا ... والقُضب ترقُصُ بالأكمام والعُذّبِ
والجوُّ قهقه والأعداء تحسبُه ... رعَدًا لما نابها مِنْ قبضةِ النُّوبِ
أفديه عامًا كأن الدَّهر أسنده ... عَنْ حافظ العصر عَنْ آبائه النُّجبِ
للَّه حبرٌ أبِيٌّ ماجدُ شَهمٌ ... علىُّ أصيلٌ على الحالين خيرُ أبِ
يُغنيك عَنْ طلب الأسفار مِقْوَلُه ... و"السيف أصدق أنباءً مِنَ الكتبِ"
وإن رَقَى شرفَ الإملاء تحسبُه ... مع التواضع بحرًا سحَّ مِنْ صَبَبِ
وكم له مِنْ تصانيف حَلَت وعَلَت ... كالنَّجم تكثُر عَنْ قطرِ الحيا السَّربِ
يا مَنْ يقولُ: لقيتُ النَّاسَ في رجلٍ ... دع مَنْ أردت ويمِّمْ نَعتَه تُصبِ
ذو همةٍ في النَّدى والعلمِ إن رَفَلت ... في بُردةٍ سَحَبَت ذيلًا على السُّحبِ
وسيفُ حكم بأيدي الصَّفح تجذِبُه ... دَقَّت لديه رقابُ الحِقد والغَضبِ
ترنَّحت قُضبُ الأقلامِ في يده ... فأثمرت زهرات العلمِ والنَّشَبِ
تُنْشِي فَتُنْسِي شفاه الكأس باسمة ... يا حُسنَ جمع حَلالِ الرَّاحِ والقُضبِ
مِنْ كلِّ أسمرَ خَمْرِيِّ الرُّضَاب فما ... يفوته حيثُ يحكي الكاسَ مِنْ شَنَبِ
واعْجَبْ لِمخْبَرَةٍ كم شَيِّبتْ غسقًا ... سُهدًا ومَفرِقُها المُسْوَدُّ لم يَشِبِ
نعم، وأعجبُ مِنْ ذا دمع مِرْمَلَةٍ ... لجَنَّةِ الطِّرْسِ ألقَتْ حُسنَ منقَلبِ
وأوقدتْ رملها في نهره وشَدتْ ... جَلَّ المؤلف بين الماء واللَّهبِ
وانظر إلى طَوْدِ علمٍ شامخٍ نَشِىءٍ ... يهتزُّ جودًا وبالآمال منجذِبِ
طلق المحيَّا إلى الدينار مُبْتَذلٌ ... مجعَّدُ الوجه يُبدي رنَّة الصَّخبِ
فيبذل التِّبْرَ مِنْ مالٍ ومِنْ كَلِمٍ ... ما بين منسَبِكٍ منه ومِنسَكِبِ
عمَّ البرية بالجدوى فما لِخِبا (١) ... أمواله غير أيدي الناس مِنْ طُنُبِ
(١) في (ب): "لجنى".