له منطقٌ في كلِّ عقد يحلُّه ... مِنَ الشَّهد أشْهَى حين يحضر مَشْهَدَا
له قلمٌ كالمِيْلِ والنِّقسُ كحلهُ ... يُداوي به مَنْ كان في النَّاس أرْمدَا
فما السُّحُب إن أسدى وما النَّجم إن هَدَى ... وما العَضْبُ إن أردَى وما السَّهمُ إن غَدَا
بكفِّ كريمٍ في عُلوِّ علومه ... حوى قصبات السبق مِنْ غاية المدَى
لئن حاز حسن الخطِّ والحظ والنُّهَى ... فما سوَّد التَّصنيفَ إلا وجوَّدَا
وزهَّد في التَّأليف كلَّ مؤلِّفٍ ... فصار بتأليفِ الحديث مزهِّدا
وأحيا مواتَ العلمِ فينا رُواؤُه ... فروَّى وأروى حين أحيا من الصَّدى
لقاضي قضاة المسلمين مواهبٌ ... تفوقُ عقولَ الخَلْقِ مِنْ عِظَم الجَدَا
فلا مُعسرٌ (١) إلا وأصبحَ ذا غِنًى ... ولا ذُو غِنًى إلا ومنه تَزوَّدَا
إما ما حضَرْتَ اليومَ مجلسَ حُكمِه ... ترى منه ما فيه الخلاصُ له غدَا
ترى الشافِعيَّ الطَّاهر الحكم مِنْ أذى ... يؤدي قضاءً ظاهر العدل في الأدا
ويُخْمِدُ سوط الظُّلم في مِصْرَ نهيُه ... ألم تنظر الطَّاغين في مِصْرَ هُمَّدَا
ويُصلح بين الظَّبْيِ والذِّئب أمرُه ... فلست ترى ظَبيَ الفلاةِ مشرَّدَا
فتى عزَّ منه الجارُ في جانب الحِمَى ... فقد صار لا يُعدَى عليه إذا عَدَا
فدم لجميع النَّاس في العصر سيِّدًا ... لأنَّك في العلياء قد لُحت مُفْردَا
وأفتاهمُ علمًا وجودًا ونجدةً ... وأحماهم جارًا وأعظمُ سؤددَا
وأكرمُ أهل الأرض في الناس معشرًا ... وأزكاهُم نفسًا وأشرفُ محتِدَا
وأوفاهُم عهدًا وأرجَحُهم حِجًا ... وأحسنهم وجهًا وأطهر مولدا
عن الصَّعْبِ يَروونَ المكارمَ للورى ... ولا زال عَنْ سهلٍ عطاؤك مُسْنَدَا
وعلمك جمٌ والتَّصانيفُ جُملةٌ ... وواللَّه ما في العصر غيرُك يُقتدَى
"صحيح البخاري" مُذْ شرحتَ حديثَه ... بفتحٍ مِنَ البَارِي ونصرٍ تأيَّدَا
(١) في (ب، ط، ح): "مقتر".