فارسُ الغيث عن تفُّرق البرق، وقبَّل مواطىء الأرض على هذه البُشرى، وسال نهرُ المجرّة ذلك، فردَّ سائله نهرًا. وكشف الجو شعريّة الغيم عَنْ وجوه أقماره، وحيَّا مِنْ نجومه وشموسه بنرجسه وبهاره. وابتسم ثغرُ البرق عَنْ لَعَس الغيم، فلم يفُته مِنْ دُرِّ النجوم شَنَب، وما خفي أنَّ السُّحبَ أدارت كؤوس الهَنَا مبرَّدة، وكان جمان البَرَدِ لها مِنْ بديعِ الحَبَب، وهام حوتُ السَّماء إلى العَوْمِ في بحر علومه الذي زاد على [النِّيل بكثرة النَّيْل. وودَّ زورقُ الهلال أن يوسق مِنْ عنبر سطوره، لا من حمولة عنبر الليل. فإنه](١) الشِّهابُ الذي إذا غَامرَ في أمر مَرُومِ، لم يقنع بما دون النُّجوم.
وقد انتهت الغايةُ بولايته إلى أنْ صار شرطَ كلِّ واقفٍ ماشيًا، وقضت نُوَّابُه بالحقِّ، فصار كلٌّ منهم يقتُل الباطل قاضيًا. وأنعمنا على هذا المنصب بولايته، فاعترف بجزيل الصَّنيع، وارتفع المحرَّمُ في صفر، فتنزه المسلمون في ربيع.
ولما كان الجنابُ الكريم الشهابي هو الذي حصل الإجماعُ مِنْ أئمة الفِرَقِ على تقديمه، ورسم اختيارنا الشَّريفُ برسم تقليده. فما خالفَ مسلمٌ في تَوْرِيَةِ مرسومه. وقال المتعبِّدُون بالعلم: هذا إمامنا بالجامع الكبير. وقال "لسان الميزان": هذا بشهادة اللَّه صاحب التحرير. وهذا صدرُ العلماء الذي اطمأن به قلبُ الزَّمان، واشتدَّ ظهرُه. وإن قلنا: إنَّه ساد على كثيرٍ مِنَ المتقدمين، أنشد لسان الحال وقد رسخ في المسامع شعرُه:
يقضي الحسودُ له قضاءَ ضرورةٍ ... بفضيلةِ الطَّاري على المتقدِّمِ
اقتضت آراؤنا الشَّريفة أن نظهر في أفق ملكِنا الشَّريفِ نورَ شهابه، ونثبِّت أوتاد الدِّين القيِّمِ مِنْ غيرِ فاصلةٍ بأسبابه. فلذلك رسمَ بالأمرِ الشَّريفِ العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي -لا زالت شُهُبُ العلم في مطالع شرفه زاهرة، وحدائقُ مصنَّفاتِ العُلماء في روضات أيامه زاهرة- أن يُفَوِّض