فإنْ تكلَّم خلَّى النَّاطقون له ... عَنْ غايةٍ ما بها شأوٌ لِمُسْتَبِقِ
ما فاضَ علمًا وبذلًا يومَ مسألةٍ ... إلا خشيتُ على نفسي مِنَ الغَرقِ
إنْ قيس بالبدرِ قال البدرُ معترفًا ... لقد رَقَى طبقًا في المجدِ عَنْ طبقِ
ما هزَّةُ النِّيل إلا خجلةٌ عرفت ... لما جرى مع ذاك النيل في طلقِ
أغرُّ تنهبُ جنحَ الليل بهجتُه ... فوجهُه لبياضِ الصُّبحِ كالفَلَقِ
مولَّى لرقة حالي رقَّ خاطرهُ ... فكان لي بذلُه عطفًا على النَّسَقِ
فكيف لا أُطرِبُ الأسماعَ فيه ثَنًا ... وجودُه قد غدا كالطُّوق في عُنقي
وخلَّصتني مِنَ الأيام هِمَّتُه ... كما يُخلَّصُ صفوُ الماء مِنْ رَنَقِ
فخلِّ لي وُدَّهُ يا دَهْرُ متَّصلًا ... وخُذْ بقيَّةَ ما أبقيتَ مِنْ رَمَقِ
مَنْ لم يذُقْ حُسْنَ أشعارٍ يفُوه بها ... ما ذاق لذَّةَ دنياه ولم يَذُقِ
تصبو العيونُ إلى خطٍّ يُنمِّقُه ... كأنَّها منه في مُسْتَنْزَهٍ أنِقِ
كأنَّه وهو بالتَّاريخ مشتغلٌ ... مطالعٌ كل مجموعٍ ومفتَرِقِ
على الملائكِ مستوفٍ يساوقهم ... ما حلَّ بالكون مِنْ ماضٍ ومُلْتَحَقِ
فيا شهابًا هدى لمَّا أضاء وقد ... حَمَى سماء العُلا عَنْ كلِّ مُسْتَرِقِ
وكاملَ العقلِ مرآةُ الزَّمانِ له ... فكرٌ يُريه لعَمْري ما مضَى وبَقِي
إقبلْ هديةَ عبدٍ لو تكلَّف أن ... يُثني على بعضِ ما أوليتَ لَمْ يُطقِ
جردتَ مَنْ قال في غرناطةٍ أدبًا ... ومَنْ أتى بَرَّها في أبحُرٍ عُمُقِ
وجُلْتَ بالعزم أسفار "الإحاطة" أو ... فتَّحت بالفضل منها كلَّ منغَلِقِ
فاسرح بفكرك في تحرير مركزِها ... فالنَّارُ تُظهِرُ طِيبَ المندَلِ العَبِقِ
لو رمتُ تجديدَ علمٍ ليس عندكُمُ ... لكنتُ في ذاك منسوبًا إلى الحُمُقِ
وإنَّما القصدُ أن يَجْرِي بحضرتِكُم ... ذكري وأن تُنْعِمُوا بالبشر في السَّبقِ
لا زال مِنْ جودك الوكَّافِ طوقُ ندًى ... منْ كلِّ ذي أملٍ يرجوك في الضِّيَقِ
ودمتَ بالحُسنِ والإحسانِ منفردًا ... ما دامَ يَشفع حسنُ الخَلْقِ بالخُلُقِ