للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنام، أبي زكريا النووي، شكرَ اللَّه سعيه. مرَّ فيها كالبرق الوامض، والغيثِ العارض، والسَّهم أصاب الغرض وزاد، والجواد المُضَمَّر بلغ الغاية، فحبَّذا هو مِنْ جواد، دلَّتَ على أنَّه استظهر جميع الكتاب حفظًا، واحتوى على جميع ألفاظه لفظًا لفظًا، وأرجو أن يحويَ فهمًا لجميع معانيه بذهن وقَّاد، وقريحة يقظى.

إلى أن قال: واللَّه أسألُ أن يوفقنا أجمعين لما يحبُّ ويرضى، وأن يُسامح كُلَّا منَّا يوم العرض عليه، فإنَّ جُودَه لا يُحصى, ونعمه لا تُستَقصى، وديون مِنَنِه (١) على العبد لا تُقضى.

ومنه في عرض ولي الدين بن تقي الدين (البلقيني) (٢)، الذي وَليَ بأخرة قضاء الشام ومات هناك: دلَّ حُسْنُ سرده لها على أنه استظهر جميعه، وورد بلطيف فطنته ينبوعه، ولقد أخبرت أنَّه سرده أجمع، لم يغادر منه كلمة إلَّا أحصاها، ولا تلعثم في مسالة منه حين أوردها ورواها. فلله درُّ هذا السَّهم الأسد، وغير نكير أن ينتج هذا الشبل إلا ذلك الأسد.

قلت: وقد أخذَ القاضي ولي الدين المذكور -عفا اللَّه عنه- أواخرها، فضمَّنه إجازة كتبها لولد الشيخ شهاب الدين بن أسد، وصار يتبجّح بها، ويُوهم ابتكاره لها، ثم تبيَّن لي بأخرة أن صاحب الترجمة كتبها للولي المذكور كما أثبته.

ومنه لابن مزهر: الحمد للَّه الذي زاد أبناء النُّجباء ونجباء الأبناء جلالًا، وأطلع في سماء المعالي بدرًا راق جمالًا، وفاق كمالًا، وحفَّه بكواكب كلٌّ منها في الأفق السامي مزهرٌ نوره يتلألأ.

أحمده على أن هدانا المنهاج القويم المفرِّج لكل شدَّة، وأشكره على أن حفَّنا بألطافه التي عليها العُمدة, وأشهدُ أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، ذو الجلال والإكرام، الذي مَنَّ على المؤمنين بوجود محمد عليه الصلاة


(١) في (ط): "منته".
(٢) "البلقيني" ساقطة من (أ).