للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من سرّه وطنٌ يومًا أقام به ... فإنني ساءني من بعدكم وطني

إنَّ الغريب الذي تنأى أحبَّتُه ... عن طرفه لا الذي ينأى عَنِ السَّكنِ

إن كنت أذنبتُ لمّا أن أقمتُ فقد ... أسأت والعفوَ أرجو يا أبا الحَسَنِ

سمَّى عليًّا كثيرٌ في الأنام ولم ... يُبْصَر سواك حكى معنى اسمه فكُنِ

يقبل الأرض التي فاحت أرجاؤها وتعطرت، وأشرقت أزهاها، فهي على الحالين نوّرت، وما هي إلَّا سماءً ذات نور، وشريعة فضل شرعت للورود، فشفتِ الصُّدور، وبُيوت رُفعت بذكر اللَّه، فجزم البُلغاء أنهم عن وصفها في قصور، فواشوقاه لذاك المحلّ الأقصى، فقد مللتُ مِنْ هذا المحلّ الأدنى، وواأسفاه على فراق تلك الذات التي حوت الحُسْنَ والحُسنى، ويا صِدْقَ لفظ مَنْ قال كأنه كان حاضرًا معنا:

ارْضَ لمن غاب عنك غيبتَه ... فذاك ذنبٌ عقابُه فيه

وينهى أنه ما برح على وظيفة الثناء بمصر بعد رحيل المخدوم مقيم، وإلى أخباره السَّارَّة كلَّما نظر إلى نجوم دموعه الحالَّة سقيم، وقلبه مِنْ توقُّد نار البُعد في تلهُّب، ولا عجب إذا تحرّق على فراق الصَّديق الحميم. أمَّا يدُ الحزن، فإنه أسيرُها، وأمَّا كثرة الأسقام، فعنده إكسيرُها، وقد أمسى بحزن نحوك لا ينفَدُ، مع أنه لا يشتكي إلَّا إلى اللَّه علا وجلّ، "وأقام جسده بمصر، ووصلت روحه القدس" كما يقال في الفل. وكيف لا، وفي قُرب المخدوم وهو أعلى قدرًا من الرئيسين: الشقاء والنجاة، ومن التجأ إلى جنابه أتاه شرف وجاه، فهب (أن ليالي) (١) افتراقه عديمة السُّرور، فظلمه النواحي، ولسان حالها (٢) يقول: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠].

وكم مِنْ شِدَّه عَظُمت وجلَّتْ ... فأفضى الأمرُ فيها للرَّجاء (٣)


(١) ساقطة من (ب, ط).
(٢) في (أ): "حاله".
(٣) في (ح): "للرخاء".