للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما خطرت دواعي الشَّوق إلا ... هَزَزْتُ إليك أجنحة التَّصابي

واللَّه المسؤول أن يطوي هذه الشُّقَّة بلطفه المحرر، ويسهّل هذه المشقَّة على الجملة، فهو بتفصيل الحال أخبر، ويبقى المخدوم في مسرَّة لا ينقضي أمدُها، ونِعَم لا يحصى عددُها، ولطائفَ لا ينقطع مددُها، ما رُحم غريب، واشتاق الخليل إلى بيت المقدس إذا حلَّه حبيب بمنّه وكرمه.

ومنها من أخرى في جوابٍ عن لغز في "سحاب":

وقفت على هذا اللُّغزِ الكريم، لا زالت أيادي منشئه ممطَّرة بالمعاني العِذاب، وساكنة إلى يوم ترى الجبالَ تحسبها جامدةً، وهي تمرّ مرَّ السحاب، وأطال بقاءه ما غنَّت حمامة، ونُسِجَت عمامة، فوجدته كريمًا في أصله، وإن رُخِّمَ بتحريف كان مصدر فعله، وإن حوّل ثانيه أولًا وصُحّف، كان قلبه، وهو الطهور نجسًا، وإن ترك على حاله، صار إذا نشأ عنه ضحك الرياض معبسًا:

يبكي ليضحك نورُهُنَّ فيا لَهُ ... ضحكًا تولَّد عَنْ بُكاءِ سحابِ

وانتهيتُ بالقراءة إلى آخره، وإن كان فضل صاحبه غير متناه، ونبَّهني منهاج فضله تنبيهًا (١)، فقرأت كتاب الطهارة باب المياه، وتأمَّلتُ خطَّه، فرأيته إذ فاق في الكتابة آتاهُ اللَّه فنَّ البلاغة بغير حساب، ولمّا رأيتُ الغيث يهمي مِنْ أياديه، عرفتُ أنَّها هي السَّحابُ، واللَّه يحيي هذا المولى لهذا البحر، يجني مديده وطويله، ويسعد الدَّهر الذي نشأ فيه هذا الأصل (٢)، حفظ اللَّه منه اسمه ونسبه شمسه وأصيله، إن شاء اللَّه تعالى.


(١) في (أ): "بينهما".
(٢) في (ح): "الأصيل".