لامرأتي: هل عندَكِ مِنْ شيءٍ؟ قالت: واللَّه ما لنا إلا هذه الدَّاجنُ وفَضْلَةٌ مِنْ زاد نعلِّلُ بها الصِّبيانَ، فقلت لها: هل لك أن تذبحي هذه الدَّاجن، وتصنعين ما عندك، ثم نحمِلُه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: أفعل ما أحببتَ مِنْ ذلك.
قال: فذَبَحت الداجن، وصنعت ما كان عندها، وطحنَتْ وخبَزَتْ وطبخت، ثم ثرَدَتْها في جفْنَةٍ لنا، فوضعتُ الدَّاجِنَ، ثم حملتها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوضعتُها بين يديه، فقال:"ما هذا يا جابر"؟ قلت: يا رسول اللَّه، ظننتُ أنَّ وجهَك لم يتغيَّر إلا مِنَ الجُوعِ، فذبحتُ داجنًا كانت لنا، ثمَّ حملتُها إليك. فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا جابرُ، اذهبْ فادعُ لي قومك". قال: فأتيتُ أحياءَ الأنصارِ، فلم أزل أجمعُهم، فأتيتُه بهم، ثم دخلتُ إليه، فقلت: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار قد اجتمعت. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أدخلهم عليَّ أرسالًا". فكانوا يأكلون منها، فإذا شبعَ قومٌ، خرجوا ودخل آخرون، حتَّى أكلُوا جميعًا، وفَضَلَ في الجَفْنَةِ شِبْهُ ما كان فيها.
وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لهم:"كلوا ولا تَكْسِرُوا عظمًا". ثم إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جَمَع العظام في وسط الجَفْنَةِ، فوضع يده عليها، ثم تكلَّم بكلامٍ لم أسمَعْه، إلَّا أنِّي أرى شفتَه تتحرك، فإذا الشَّاةُ قد قامت تنفُضُ أذُنيها، فقال لي:"خذ شاتك يا جابر، بارك اللَّه لك فيها"، فأخذتها ومضيت، فإنها لتُسارعني بأذنها، حتى أتيتُ بها البيتَ، فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر؟ قلت: هذه شاتُنا التي ذبحناها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، دعا اللَّه، فأحياها لنا. قالت: أشهد أنه رسول اللَّه. انتهى.
وأصل هذا في الصحيح باختصار بدون قصَّةِ إحياءِ الشَّاة، وهذا الإسناد لا بأس به، وهو أصرحُ ما رأيتُ في هذا الباب، واللَّه أعلم.
وكتب إليه قاضي صفد ثم دمشق حسام الدين بن بريطع الحنفي، وهو محمد بن عبد الرحمن بن العماد ابن قاضي غزة، بعد أن قرأ على صاحب الترجمة شيئًا مِنْ شرح "ألفية الحديث" للعراقي ما نصه: