للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن حديث ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: لأن أحلِفَ تسعًا أنَّ ابن صائدٍ هو الدَّجالُ، أحبُّ مِنْ أن أحلِفَ واحدة أنه ليس به. أخرجه الطبراني.

وقد ثبت أن أبا ذرٍّ رضي اللَّه عنه مِنْ أصدقِ النَّاس لهجة، وأنَّ عمرَ رضي اللَّه عنه نطق الحقُ على لسانه، فلا يُقدمان على الحلف بأنَّ ابنَ صيادٍ الدَّجالُ إلا بعدَ وُضُوحِ ذلك لهما.

ولكن توقُّف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك في قوله لعمر رضي اللَّه عنه لمَّا أراد قتله: "إن يكُنْ هو، فلن تُسلَّطَ عليه" يقتضي عدمَ الجزم، ولعلَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بأن لا يُفْصِحَ بحاله، فاستمر على التردُّد في تقريره تميمًا على قصة الجساسة وما ذكر معها، مما يقوي التردد فيه، ومع ذلك ففي قول مِنْ قال في الحديث الذي أخرجه أبو داود كما تقدم: إنه ابن صياد، ولو أسلم ما دخل المدينة، ولو مات، إشارة إلى أن أمرَه ملتبسٌ، وأنَّه جائزٌ أن يكونَ ما ظهر، مِنْ أمره إذ ذاك لا ينافي ما يقع فيه (١) بعد خروجه في آخر الزمان، وحينئذ فيحتمل في طريق الجمع بين خبر تميم الدَّاري وما عُرفَ مِنْ حال ابن صياد أن اللَّه تعالى أخرجه إلى الجزيرة المذكورة على الصِّفة المذكورة في ذلك الوقت حتى رآه تميمٌ ومَن معه، وأخبرَ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بما سمع منه في ذلك؛ ليكون موعظة وتحذيرًا مِنْ فتنته إذا خرج.

وفيه إشارةٌ: إلى أنَّ أموره ملتبسةٌ غيرُ متَّضحة، ويحتمل أن يكون اللَّه سبحانه وتعالى أظهرَ لأولئك مثالًا على صفته بما يؤول إليه حالُه بعد أن يتحوَّلَ مِنَ المدينة الشريفة، التي مِنْ شأنها أن تنفِي خبثَها، وأنَّه يُسْجَنُ في تلك الجزيرة إلى أن يأذن اللَّه تعالى في خروجه في الوقت الذي يريده، ويكون ذلك مِنْ جُملة الأمور التي يستمرُّ منها خفاءُ حاله وعدم الوقوف على حقيقة أمره، لما يريد اللَّه تعالى مِنْ الافتتان به في أول أمره وفي آخره.


(١) في (ب): "منه".