للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد قال الشيخ محمد بن زكِّينة النِّحريري الطَّويل، ويقال له: ابن القاضي، أحدُ المادحين لصاحب الترجمة، وهو ممن أضربنا عن إيرادِ شيءٍ مِنْ شعره، وكان هو يحضُّ أهلَ المجلس على الإصغاء لسماع مدائحه التي يتولى إنشادها بين يدي المُمَدَّح بصوته الجهوري، حتى قال مرَّةً للنَّواجي، وهو الذي أهملت ذكره: يا نواجي، إنِّني لسماعِك راجي، وإلا أكونْ لك هاجي، مخاطبًا (١) لصاحب الترجمة: يا مولانا، لِم تُعطي النَّواجي في قصيدته ثلاثةَ آلاف وتعطيني في قصيدتي ثلاثمائة؟ فقال: أما سمعت: "اقطَعوا عنِّي لسانه"؟ انتهى.

وإذا تأمَّلتَ ما حكيته عَن هذا الشَّاعر المبدأ بذكره، علمتَ سُوءَ طباعِه ودناءة أصلِه، حيثُ يقول [ما أستغفرُ اللَّه مِنْ إثباته] (٢):

يا مَنْ يَرُومَ نوالًا مِنْ بني حَجَرٍ ... لقد نَزَلْتَ بوادٍ غيرِ ذي ثَمَرَه

كيف تُرَجَّى خيورٌ تأتِ مِنْ حَجَرٍ ... وهو المُعَدُّ للاستنجاء والعَذَرَه

لكن قد عارضه بعضُ أصحابنا، [فأنشدني] (٣) البدر الأنصاريُّ رحمه اللَّه لنفسه:

يا مَنْ يرومُ عطاءً مِنْ بني حجرٍ ... لقد أمَمْتَ عظيمًا فاسْتَمِع خبَرَه

منه تفجَّر ماء العَذبِ ثمَّ وكَمْ ... مقبِّلٍ في طوفٍ مرَّة حَجَرَه

ومما يُنسب لبعضهم:

دحاك اللَّه مِنْ حَجَرٍ دعانا ... إلى البيداء وهو بها مُقَصِّرْ

فأبْشِرْ بانكسارٍ عَنْ قريبٍ ... ومُت كمدًا فما لَكَ مِنْ مجبِّر

قلت: ويظهر أنهما للشاعر الأول، فما يجسُر لذلك غيرُه. قاله تعصُّبًا لمن استعانَ به فيه، حيثُ نَسَبَ لصاحبِ التَّرجمة قوله:

دعاوى فاعلٍ كثُرَتْ فسادًا ... ومَنْ سَمِعَ الحديث فسَوفَ يُخْبِرْ


(١) في (أ): "مخالطًا"، تحريف.
(٢) و (٣) ما بين حاصرتين لم يرد في (ط).