رأيت الذي ينوي لك الغدرَ يُبْتَلى ... بغدر حياةٍ أو بغدر زمانِ
وأغربُ ما اتَّفق مِنْ ذلك: أن واحدًا ممَّا أشيرَ إليه سَمِعَ منه التَّصريح بقوله: لا بدَّ أن أُغري السُّلطانَ عليه حتى يفعل به كيت وكيت، وذكر ما قدر أنَّه وقع لقائله مِنْ سجنٍ وأخذِ مالٍ وغيرِ ذلك، نسأل اللَّه السلامة.
وكذا مِنَ الغريب أنَّ بعضهم تعرَّض لولده، ولم يحفَظ حقَّ والده فيه، فقوصِصَ في ولده بعدَ حينٍ، إلى غيرِ ذلك ممَّا لا نُطيل بشرحه، وللَّه در القائل:
وما سادَ أحدٌ ناواه ... ولا كان ذا اسْتِنْصَار
ولا ساء مَنْ تولَّاه ... بل عمَّه بالفَضْلِ المِدْرَار
ليس للعِلْمِ في الجهالَةِ حظٌّ ... إنَّما العلم طرفُهُ الإغضَاءُ
وأمَّا مَنْ لم ينتقم منه، فالآخرة خير وأبقى.
وممَّا بلغني عنه أنَّه قال: مماليكُ الملِكِ على أقسام ثلاثة، منهم مَنْ هو معه ظاهرًا وباطنًا، ومنهم مَنْ يخالِفُه باطنًا، ومنهم مَنْ يتظاهَرُ بمخالفته، وهو مع ذلك لا يحب أن غيره يتعرَّضُ لهم، بل ينتقم ممَّن يتنقَّصُهُم، أو يؤذيهم، ولا شك أنِّي في معظم عُمري (١) قائمٌ بالذَّبِّ عَن حديثِ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي خدمته، فنِسْبَتي إليه بذلك صحيحةٌ، وإن كنتُ مقصِّرًا، وأرجو بذلك أن يحفظني ويكفِيني سائر مُهِمَّاتي، أو كما قال.
ولا شكَّ أنَّ لحوم العلماء مسمومة، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "مَنْ آذى لي
(١) في (أ، ط، ح): "أمري" والمثبت مِنْ (ب) مِنْ خط المصنف.