وليًّا، فقد بارزني بالمحاربة. . . " الحديث. والعلماءُ همُ الأولياء، لا سيَّما وقد أسلفتُ (١) التَّصريحَ عَن بعض أهلِ الأحوالِ بولايته وقطبيته وغير ذلك، بل وسيأتي قريبًا ذكر شيء مِنْ كراماته.
ومنها: أنَّه بلغني ممَّا لم أسمعه منه، أنَّه قال في حقِّ القاضي بدر الدين السَّعدي الحنبلي: صِغَارُ قومٍ كبارُ قومٍ آخرين، وظهر تصديقُ مقاله فيه بعد أزيدَ مِنْ خمسةٍ وعشرين سنة.
قلت: ولقد رأيناه -رحمه اللَّه تعالى- إذا بالغَ في الغضب على أحدٍ مِنْ خَدَمِه أو أتباعه، يقول: إنا للَّه.
وهذا قريبٌ ممَّا حكاه العجلي في ترجمة عبد اللَّه بن عَوْنٍ البصري أنَّه كان إذا غَضِبَ على أهله، قال: بارك اللَّه فيك، وأنَّه قال لابنٍ له يومًا: باركَ اللَّه فيك، فقال له الابن: باركَ اللَّه فيَّ؟ قال: نعم. قال له بعضُ مَنْ حضره: ما قال لك إلا خيرًا. قال: ما قالَ لي هذا حتى أجهَدَه. انتهى.
ولم يكونوا رضي اللَّه عنهم ممَّن يعوِّد لسانه الفُحْشَ. قال السيد عيسى عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام لخنزيرٍ لقيه: اذهب بسلام. فقيل له في ذلك، فقال: أكرَهُ أن أعوِّدَ لساني النُّطقَ بسوءٍ.
قلت: ومع وُفور حلمه، وعدم سرعة غضبه، فكان سريعَ الغضبِ في اللَّه ورسوله، ويصرح -كما سلف في أول أجوبته في الفصل الخامس مِنَ الباب السادس- باقتداء النَّاس في هذه الأزمان بأولي الجهل، وعدم معرفة الحقِّ، وسيادةِ الوَضيع، وتغيُّر الأحوال، حتَّى عاد الدِّينُ غريبًا، إلى غير ذلك ممَّا يشهدُ لصدعه بالحقِّ، وعدم المبالاة في اللَّه تعالى، واتَّفق -كما سمعتُه منه مرارًا- أنَّه جرى بينه وبين بعض المحبِّين لابن عربي منازعة كثيرة في أمرِ ابن عربي، أدَّت إلى أن نال شيخُنا مِنَ ابنِ عربي لسُوء مقالته، فلم يسهل بالرَّجُلِ المنازع له في أمره، وهدَّده بأن يُغْرِيَ به الشيخ صفاء الذي كان الظَّاهرُ برقوق يعتقدُه، ليذكرَ للسُّلطان أنَّ جماعة بمصر منهم فلان